مما لاشك فيه أن الإنترنت –الذي هو سمة هذا العصر- فتح المجال واسعاً لمزيد من التقارب والانفتاح على الآخر بكل أشكاله وأصنافه، وعمل الإنترنت على فضّ احتكارية المعرفة من المجتهدين، ووضعتها طوع بنان الجميع: الراغبين منهم، وغير الراغبين، وربما كان ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى هوان الثقافة والمثقفين (وهذا أمر آخر). وككل ظاهرة مرتبطة بعصر ما، فقد ارتبط موضوع السرقات الأدبية والفكرية بالإنترنت ارتباطاً مباشراً، فبتنا نرى ونسمع عن السرقات الأدبية في كل مكان تقريباً، ساعد على ذلك ما يوفره الإنترنت من سيل المعلومات وإمكانية البحث التي أصبحت أسهل بكثير من بدايات الإنترنت.
ومع انتشار ظاهرة السرقات الأدبية والفكرية، بدأت الجهات المعنية والقانونية تُراجع موقفها من قضية الحقوق الفكرية والملكية، وربما عندها فقط بدأنا نهتم بهذه القضية، ونوليها اهتمامنا. ومما لاشك فيه –كذلك- أن السرقة الأدبية تعتبر عملاً لا أخلاقياً في المقام الأول، وجريمة في المقام الثاني. وهذا المقال لا يحاول أن يُبرر لمثل هذه السرقات، لأنه أصبح من الواضح؛ بل من المؤكد لا أخلاقية هذا العمل.
وربما يُصبح من العسير علينا تناول مسببات هذه الظاهرة، ولكن من الجلي أنّ هذا العمل ينطوي على كمّ من المسوغات المقبولة، وعندما أقول مسوّغ مقبول، فهذا لا يعني نفي الجُرم بالضرورة؛ فالتصارع بالأيدي (مثلاً) عملية، بدائية وهمجية عفا عليها الزمن، ولا يُمكننا قبول عمل كهذا في عصر كهذا، ولكن إذا عرفنا أن عمرو تعدى على زيد بذكر ما لا يُمكن السكوت عنه، عندها تتوافر لزيد مسوغات مقبولة، ولكنها –بلا شك- لا تُعد ميلاً إلى تشريع التصارع بالأيدي بالضرورة.
إن من أهم الأسئلة التي تتناهى إلى أذهاننا في مثل هذه الظاهرة (لماذا يلجأ الآخرون لسرقة كتابات وأعمال الغير؟) والإجابة على هذا السؤال تنطوي على مسوغات كثيرة جداً في الحقيقة، فقد يلجأ أحدنا إلى ذلك عندما يشعر بأن ما سرقه يُعبّر عنه، وعمّا يُفكر به، ربما بطريقة مرتبة أكثر مما كان يُفكر بها، وربما بشكل أكثر منهجية وعلمية، وربما وجد فيما سرقه إجابات شافية لما كان يعتمر في ذهنه، وربما وربما وربما .. إذن أن هنالك ما لانهاية من الاحتمالات والمسوغات التي لا تبرر للسرقة بالضرورة، ولكنها تظل في إطار المسوّغ المقبول على أيّ حال.
يُجرم الإنسان عندما لا يحتفظ بحقوق الآخرين الأدبية فيما ينقله، وهنا بالتحديد تبدو لاأخلاقية هذا العمل، فإذا توفرت إحدى المسوغات الواردة أعلاه (أو غيرها) في الفكرة المسروقة، فلماذا يُنكر السارق حق الكاتب الذي أخذ عنه الفكرة؟ وهذا السؤال يختلف عن السؤال الأول (لماذا نلجأ إلى السرقة الأدبية؟) ففي حين تكمن إجابة السؤال الأولى على مسوغات موضوعية مقبولة؛ يظل إنكار حقوق الغير عملاً لا مبرر له ولا مسوّغ على الإطلاق.
قد ننكر حقوق الغير (المشروعة لهم) لأننا نريد أن نظهر أمام الآخرين في مظهر العارف، وقد نلجأ إلى ذلك من باب احتقار الجُرم نفسه، فقد لا نحمل لهذه الفكرة احتراماً كبيراً، وهنا بالتحديد تأتي أهمية الوعي بالحقوق والقانون، واحترام ذلك قبل كل شيء، فهي متعلّقة بالتربية الذاتية؛ أعني تنشئة النفس على احترام الآخرين، وحقوقهم.
وفي مقابل ظاهرة السرقات الأدبية، نشأت ظاهرة أخرى أعتبرها أغرب منها بكثير، وأكثر بشاعة؛ ألا وهي ظاهرة التصيّد لهذه السرقات، ومتابعتها ومحاولات كشفها وفضحها، وهو العمل الذي أحاول في هذا المقال مناقشة أخلاقيته من لاأخلاقيته. فهل فعلاً كشف السرقات الأدبية وفضح سارقيها عمل أخلاقي؟
إذا قلنا أن دافع السارق ذاتي صرف في سرقته، سواء أحب أن يُلمّع نفسه، أو أنه جاهل بحقوق الآخرين أو غير مكترث بها (على السواء)، فما الدافع وراء البحث الحثيث لكشف هذه السرقات،وفضحها؟ إن قضية اكتشاف السرقات مفيد لصاحب الحق وهو كاتب العمل المسروق، ولكن ماذا يُفيد الآخرين؟
وفي رأيي الخاص، إنه لو كان للسرقات الأدبية والفكرية مسوّغات مقبولة (وغير مبررة)، فإن نزعة الفضح هذه لا مسوّغ لها على الإطلاق، ناهيك عن كونها مبررة. فما الذي يدفع شخصاً ما عند قراءته لنص ما في مكان ما إلى البحث (عبر محركات البحث المنتشرة) للوقوف على احتمالية أن يكون النص مسروقاً أو غير مسروقاً؟ إن هذه النزعة تُعبر –بجلاء- عن أحد أمرين:
أولاً: إما خوفاً من مجابهة الفكرة الواردة في النص المسروق.
ثانياً: انتقاماً، وثأراً شخصياً رخيصاً.
ولا يُمكن التصدي لعمل غير أخلاقي، بعمل لاأخلاقي آخر. قد يتم اكتشاف السرقات الأدبية أو الفكرية بمحض الصدفة، فهذا الفضاء، فضاء رحيب ومفتوح للجميع، ويُصبح متكشف هذه السرقة في هذه اللحظة أمام امتحان أخلاقي كبير؛ إما أن ينجح فيه بنضاله ومقاومته لنزعة الثأر والتشفي، أو لحرصه الأكيد في حفظ حقوق الغير لهم، وهذه الأخيرة قد تتأتى من مخاطبة السارق بطريقة ودّية سرّية وتنبيهه إلى ضرورة نسب الحقوق إلى أصحابها، فإن رفض كان واجباً كشف الحقيقة للآخرين، وليس المسارعة إلى فضح السارق على الملأ.
النص المسروق (أياً يكن) لابد أن يحتوي فكرة، ومن الواجب مجابهة الأفكار بصرف النظر عن صاحبها، فسواء أكان صاحب الفكرة عمرو أو زيد، فإن الفكرة تظل فكرة تشرع للجميع أبوابها لمناقشتها ومجابهتها بفكرة أخرى.
إن من الأمور التي تثير الحنق، أن تتحوّل المسألة إلى لوثة، ونزعة فضائحية تعمل على إلغاء التفاكر تحت دعاوى حفظ الحقوق. ومما يدعو للدهشة حقاً، أن يكون مكتشف السرقة هذا سارقاً لأفكار أخرى، بطريقة أخرى، وكما قلتُ في بداية المقال؛ أنا هنا لا أحاول التبرير للسرقات الأدبية، بل وأعتبرها –بالفعل- عملاً لاأخلاقياً، ولكنني في المقابل أرى أن هاجس مطاردة السرقات، وفضحها بهذه الطريقة: عمل جبان، يُوحي بضآلة مرتكبها، وعدم قدرته على مجابهة الأفكار وتفنيدها، إلا عبر الالتفاف عليها في محاولة رخيصة منه لقتلها بحجة (حفظ الحقوق).
نحن –للأسف- لم نُحسن بعد استخدام التقنيات الحديثة المتاحة لدينا، فالسارق يستغل هذه التقنيات لسرقة جهد الآخرين ونسبها لنفسه، والجلاد يستغل ذات التقنيات ليشفي بها صدره المليء بالحقد للآخرين، والنيل منهم ومن الأفكار التي يسوقونا (حتى وإن كانت مسروقة)، فتضيع الفكرة في غياهب صراع شخصاني أجوف، دون أن تنال حقها من النقاش أو النقد الجاد.
فيا لصوص الإنترنت؛ كفّوا عن السرقة، ويا جلاديه كفوا عن التعاطي مع هذا الأمر بهذه الطريقة. إن الوسيلة التي نختارها لنقل أفكارنا الخيّرة للغير لها دور كبير في إقناعهم بها، ولا يُكره الناس على الخير، أو يُجبروا عليه.
الأحد، 31 مايو 2009
اللص والجلاد في أدبيات الإنترنت
هشام آدم يواجه برفض في مقهى نادي الشرقية الأدبي

هشام آدم يقـترح اسـتبدال «القصة» بـ«الرواية القصـيرة»
أثار اقتراح الروائي السوداني هشام آدم باستبدال «القصة» بـ«الرواية القصيرة» حفيظة حاضرين في أمسية أقامها المقهى الثقافي بنادي المنطقة الشرقية الأدبي، معتبرين الاقتراح يفتقر إلى المنطق. وقال آدم، في ورقة قدمها خلال الأمسية بعنوان «الرواية باعتبارها أداة قياس»، إن القصة تطلق في الثقافة العربية على الحكاية، التي كانت تتداول للتسلية أو الحكمة، مستشهداً بعدد من الآيات القرآنية وبعض من الحكم والمواعظ.
وخلص آدم إلى أن تسمية ما يكتب الآن على أنه قصة قصيرة خطأ فادح، لأنها تعني الحكاية، وهي تعنى بأغراض لا تمت بصلة إلى الأهداف الفلسفية والاجتماعية التي تعنى بها الرواية أو فن ما سماه «الرواية القصيرة» نافياً وجود جنس أدبي يسمى «قصة قصيرة» ورفض الروائي فهد المصبح توصيف آدم للقصة في الثقافة العربية بالمكانة الهامشية، قياساً بالشعر ونسبة الأسبقية للشعر على كافة الأجناس الأدبية في العربية.
وقال المصبح: بإمكان آدم القول إن مفهوم القصة الحالي قد تطور كثيراً عن مفهومها في العصور السابقة، ولكن ليس بإمكانه الادعاء بعدم وجودها، وتبعيتها للشعر ولا أسبقية الشعر عليها، لأن القص نزعة طبيعية لدى الإنسان تسبق أي شيء، وختم المصبح قائلاً: من الممكن القبول باسم آخر للقصة، وعلى آدم إيجاد اسم يناسبها أكثر من القصة والرواية القصيرة.واعتبر القاص عبد الله النصر اقتراح آدم منطقياً يتفق مع ما سماه «المعنى الصحيح والقاموسي لكلمة قصة»، مطالباً آدم بإتباع خطوة الرفض باقتراح بديل آخر لمسمى القصة.
ووجّه القاص زكريا العباد نقده لورقة آدم باعتبارها تنتمي إلى جنس المقال النقدي، ولكنها لا تفي لمقومات المقال ولا تحافظ على وحدة الموضوع الذي وعد به العنوان «الرواية كأداة قياس»، فهي تناقش استحقاق جنس القصة لهذا الاسم وهذا موضوع آخر، وأضاف: رفض آدم إطلاق اسم القصة المتداول تاريخياً في الثقافة العربية على الجنس الأدبي الحديث هو رفض لحركة تاريخ اللغة، فالتداول الحاضر لـ«قصة قصيرة» هو تداول اصطلاحي ينفي أية شبهة لحضور المفهوم التاريخي لكلمة قصة أو حكاية.. معتبراً أن النقاش حول هذه المسألة لا يحمل أي قيمة ما دام الأدباء لا يستخدمون كلمة قصة بالمعنى التراثي لها.
وقال إن منطق هشام نفسه يمكن استخدامه لنقض اقتراحه تسمية القصة بـ«الرواية القصيرة» لأن الرواية في العربية تعني الرواية عن الشعر ولكنها لا تعني الرواية بمعناها الحديث.وتناول آدم في ورقته الخيال باعتباره أهم عناصر الرواية والأدب عموماً، وقال إن من خصائصه أنه غير مقيد بالزمان أو المكان، وفرق بينه وبين التخيل حيث إن الخيال يختص بالإبداع، وقال إنه لا بد من ربط فن الرواية بعناصر متعددة كالوقائع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لأنها دوائر متداخلة، ولكنها غير مستقلة عن الإنسان، فهي مرتبطة بوجوده ووعيه وتفاعله مع البيئة ومع نفسه.
وأضاف إن فن الرواية باعتباره فناً يحاكي الواقع أو يوازيه، فإنه يصبح الطريقة الأنجع لخلق وقائع مثالية (ربما)، أو أقرب إلى خوض صراع افتراضي مع ما هو كائن، وما هو ممكن أو مستحيل الإمكان.. وكأن الروائي - حين يكتب روايته - يجري حوارات مفترضة بينه وبين سلطة واقعية. وهو بذلك إنما يحاول قياس إمكانية المعقول منها وغير المعقول، ويبتكر شخوصاً يقدمهم قرابين لهذا الاختبار الوجودي في الحقيقة.
وذكر آدم أن الأمر يشبه – إلى حد ما - محاولاتنا لوضع تخمينات حول ردود أفعال المجتمع إزاء وجهات النظر الخاصة، ومدى قبول الآخر بالأنا، ووضع خطط بديلة لأنماط سلوكنا بناء على استنتاجات منطقية مستقاة من خبراتنا العامة، كأن نقول: «ترى ماذا سوف يحدث إذا تغيبت عن العمل دون إخطار مسبق؟»
السبت، 30 مايو 2009
حوار مع خافير لوفان
المستشرقين محكومين بأهداف سياسية

حاوره: عبد المنعم الشنتوف
يعتبر خافير لوفان واحدا من الوجوه البارزة للاستعراب في بلجيكا. نبع اهتمامه باللغة والآداب العربية من تخصصه في الفنون والثقافات الشرقية القديمة. حصل على درجة الدكتوراه من الجامعة الحرة لبروكسيل بدراسة وصفية هامة خصصها عن تأثير لغة المحتل العربي في لهجة كينوبي مومباسا. يعمل حاليا أستاذا محاضرا بقسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة نفسها. وهو بالإضافة إلى انشغاله الأكاديمي مهتم بمظاهر الاحتكاك بين الثقافة العربية والثقافات الإفريقية على الصعيد اللغوي. أصدر خافير لوفان كتابين مهمين هما: 'حكايات بروكسيلية من كل أنحاء العالم' و 'حكاية عشيق غريب' بالاشتراك مع إسبيرانس كانا. ننوه بالإضافة إلى ذلك بإسهامه الهام في ترجمة بعض التحققات النصية من الأدب السوداني على وجه التخصيص إلى اللغة الفرنسية، ونمثل لذلك بتجارب كتاب من أمثال أحمد الملك وهشام آدم وآخرين. التقيناه على هامش أشغال ندوة 'على هامش الأدب العربي المعاصر' التي احتضنتها الجامعة الحرة ببروكسيل، وكان الحوار التالي:
ذكرت في واحد من أحاديثك أنك نشأت في وسط متعدد من حيث ثقافاته ولغاته وأنك كنت محظوظا لأسفارك المتعددة صحبة والديك بهدف اكتشاف ثقافات البحر الأبيض المتوسط. هل يمكننا أن نرى في ذلك تفسيرا كافيا للاهتمام الذي توليه للثقافة والأدب العربيين؟
عشت وترعرعت في بلدية سكاربيك بالعاصمة بروكسيل وهو مكان شديد التنوع فيما يخص ساكنته والثقافات التي تتعايش داخله. تعرفت على العديد من الأصدقاء البلجيكيين ذوي الأصول المغربية أو التركية، وكنت أستمتع بالإصغاء إلى العديد من اللغات سواء في المدرسة أو غيرها من الفضاءات. لا يفسر ما سبق ذكره كل شيء. كنت أحب القراءة منذ نعومة أظفاري، وأعترف بأنني قرأت عددا وفيرا من الكتب التي لها تعلق بالآداب الفرنسية والإنكليزية والأمريكية والعربية أيضا. أتذكر أن أول كتاب عربي قرأته هو 'الخبز الحافي' لمحمد شكري في الترجمة الفرنسية التي أنجزها الطاهر بن جلون. قرأت أيضا ترجمة رواية 'بين القصرين' لنجيب محفوظ وأعمال الكتاب المغاربيين ذوي التعبير الفرنسي. اكتشفت بمفردي هذا العالم الأدبي، كما كان لسفري إلى بلدان عربية عديدة أيام الدراسة دور في تعميق اهتمامي باللغة والآداب العربية. درست علم الآثار قبل انشغالي باللغات الشرقية، والحال أنه لا يسعك حين تهتم بالثقافات الشرقية القديمة أن تضرب صفحا عن امتداداتها في الثقافات العربية الراهنة في سورية أو العراق.
يتسم الاستشراق بتاريخ طويل وغني تتقاطع داخله المنجزات والمسارات والرؤى إلى العالم. كيف تتموقع داخل هذا التاريخ؟
لا أرى نفسي مستشرقا وإنما مجرد دارس وباحث في اللغة والآداب العربية. اللغة العربية بالنسبة لي لغة حية مثلها مثل اللغات الكونية الأخرى. لا أستطيع إنكار إسهام العديد من المستشرقين البلجيكيين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين في نشر الثقافة العربية في أوروبا. أعترف بأنني أختلف بعض الشيء مع المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد. صحيح أن كتابه حول الاستشراق ذو أهمية عالمية، لكنه يجانب الصواب حين يعتبر كل المستشرقين عنصريين ومحكومين بأهداف سياسية وإيديولوجية. ثمة العديد من المستشرقين الذين اهتموا بكيفية موضوعية وعلمية بالثقافة العربية الإسلامية واستطاعوا إنجاز مشاريع علمية هامة من قبيل 'الموسوعة الإسلامية' وغيرها. تنبغي الإشارة في السياق نفسه إلى وجود الأحكام المسبقة الجاهزة في خصوص 'الغربي' في العالم العربي والإسلامي. عندما أسافر إلى مصر أو أي بلد عربي آخر أفاجأ حين أتحدث مع الناس عن بلجيكا وأنماط العيش والعلاقات الاجتماعية السائدة فيها بهيمنة الأحكام المسبقة السلبية. ثمة في أوروبا بعض اليساريين يعتبرون أمريكا شيطانا وتمثيلا للشر. وهذا غير صحيح؛ إذ ثمة في هذه البلاد أدب وثقافات جيدة مضادة للصور النمطية السائدة.
تتركز أبحاثك حول التراث الشفهي في إفريقيا والأناضول وأيضا حول الحضور العربي والإسلامي في شرق ووسط إفريقيا وتحديدا على الصعيد اللغوي. قمت أيضا بتسجيلات ذات طابع لغوي وسوسيو تاريخي في إفريقيا (كينيا، أوغندا وبوروندي والكونغو). هل يمكن النظر إلى هذا الاهتمام باعتباره محصلة شغف بالهجنة الثقافية بالمعنى الإيجابي للكلمة؟
أهتم بالعالم العربي، ولكنني أهتم على درجة سواء بالثقافات الإفريقية وتواريخها. أسعى في عملي العلمي إلى رصد نقاط الالتقاء بين العالمين العربي والإفريقي. أعترف بأنني أتنفس داخل التنوع والتعدد وأنني مهووس بأشكال التقاطع والتداخل بين الثقافات. عشت طويلا في إفريقيا وتحديدا في بوروندي. ولهذه التفصيلة امتداد تاريخي ينبغي توضيحه؛ إذ لا توجد في بلجيكا عائلة لم يستقر أو يولد أحد أفرادها في الكونغو الكبير. أعترف بأنني لا أوافق على احتلال بلجيكا لهذا البلد، ولكن واقع الحال يلزمنا بالاعتراف بهذه الحقيقة التاريخية. لا أستطيع القول بوجود علاقة بين التاريخين البلجيكي والكونغولي وإنما بتداخل مرده إلى وجود تواريخ شخصية مشتركة. وقد أدى اهتمامي بالكونغو إلى توسيع انشغالي العلمي بإفريقيا. ينصب انشغالي تحديدا على الاحتكاك الحاصل بين الثقافتين العربية والإفريقية.
لا ننسى في هذا الخصوص أن اللغة السواحلية كانت تكتب في الماضي بالأبجدية العربية، وثمة في المتاحف البلجيكية وثائق سواحلية قديمة مكتوبة بالحروف العربية. بدأ التجار العمانيون في التوغل شرق الكونغو بعد سنة 1840 وذلك بحثا عن العاج والعبيد. وثمة في هذا الصدد تقارير صادرة عن الإدارة الاستعمارية البلجيكية تشير إلى هذه المسألة علاوة على بعض المصادر العربية. أشير على سبيل التمثيل إلى كتاب 'جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار' للمؤرخ العماني المغيري. لا يفوتني أن أنوه أيضا بالمؤرخ حميد المرحبي المعروف أيضا باسم سواحلي هو تيبوتيبي وهو من أب عماني وأم كونغولية. وقد سافر هذا الرجل إلى شرق الكونغو وتنزانيا وكينيا قبل أن يعود إلى زنجبار ليكتب سيرته الذاتية باللغة السواحلية وبحروف عربية. وقد ترجم هذا العمل إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية علاوة على الترجمة العربية التي أنجزها مؤرخ عماني وتحمل اسم 'مغامرات عماني في إفريقيا'.
تمارس الترجمة بموازاة انشغالاتك العلمية. وقد نقلت في هذا السياق عدة نصوص من الأدب السوداني على وجه التخصيص علاوة على نماذج مما تسميه آداب الهامش العربي إلى اللغة الفرنسية. كيف تنظر إلى فعل الترجمة وما هو تصورك للهامش وتمثيلاته؟
أهتم بقوة بالأدب السوداني لأسباب موضوعية أحددها في جودة الكتابة والأسلوب. طبع الطيب صالح الثقافة والأدب السوداني برمته وهو الوحيد المعروف على الصعيد الغربي. ثمة في هذا المقام أدباء سودانيون آخرون لم يحظوا بأية شهرة على الصعيدين العربي والعالمي رغم قيمة ما يكتبونه. وحين تسأل مثقفا عربيا عن الأدب السوداني، فإنه يكتفي بذكر نموذج الطيب صالح. ترجمت رواية أحمد الملك 'الخريف يأتي مع صفاء' التي صدرت عن دار آكت سود. ثمة ميزة لا تجدها في غير الأدب السوداني وهي وجود شعرية عميقة في السرد. كل كاتب سوداني هو في الآن نفسه شاعر؛ ولعل العلة في ذلك كامنة في تأثير الواقعية السحرية لأمريكا اللاتينية. وأنا ألمس ذلك في أعمال أحمد الملك وأمين تاج السر. يتميز الأدب السوداني أيضا بكونه انعكاسا لطبيعة المجتمع السوداني الذي هو محصلة التمازج بين العروبة والثقافات الإفريقية. ولاننسى أيضا حضور البعد النوبي في أعمال كل من أحمد الملك وهشام آدم . أشدد في السياق نفسه على التزام الكتاب السودانيين بانتقاد الأوضاع السائدة في المجتمع السوداني والتي تتسم بظروف العيش الصعبة . ففي رواية 'الخريف يأتي مع صفاء' ينتقد أحمد الملك الديكتاتورية وسلطة العسكر وغياب الحرية. قمت بترجمة رواية 'نظرة اشتهاء' لكاتب دارفوري اسمه يعقوب سعد النور. وقد تم منع هذه الرواية بسبب حديثها عن الأوضاع السياسية في دارفور. ترجمت أيضا مجموعة قصصية سوف تصدر في تشرين الاول (أكتوبر) القادم، وتضم نماذج قصصية لستة مؤلفين من بينهم أحمد الملك وهشام آدم ورانيا مأمون واستيلا كايتانو وهي كاتبة من جنوب السودان تكتب باللغة العربية. ثمة في هامش الثقافة العربية كتاب جيدون يكتبون باللغة العربية وأمثل لذلك بالصومال وإريتريا.
أنوه بنموذج الكاتب الإريتري عمر الشيخ الذي كتب رواية عنوانها 'الريح الحمراء' تتحدث عن المناخ الثقافي في إريتريا. لا يعني اهتمامي بكتاب الهامش أنني لا أولي العناية لكتاب المركز في مصر والعراق ولبنان. أجد انجذابا خاصا إلى عبد الرحمن منيف وروايته 'شرق المتوسط' علاوة على الشاعر العماني سيف الرحبي الذي وجدت انشدادا إلى كتابه المتميز 'قوس قزح. الصحراء: تأملات في الجفاف واللاجدوى'. أنجزت بمعية لورانس دونوز من جامعة نانسي 2 بفرنسا تصور ندوة 'الهامش في الأدب العربي المعاصر' التي احتضنتها الجامعة الحرة ببروكسيل يومي 15 و16 ايار (مايو) الجاري. هل يمكنك أن تحدثنا عن أسئلة ورهانات هذه الندوة؟ أعترف بأنني أفضل دوما كل ما هو خارج السياق، وأرغب في أن يكتشف القارئ الغربي ما يكتب على هامش الثقافة العربية. ثمة أشكال متعددة للهامش؛ فعلاوة على الهامش الجغرافي: السودان، الصومال وإريتيريا، ثمة الهامش الاجتماعي والسياسي والثقافي. محمد شكري كاتب مهم؛ لأنه يجسد المفهوم الشمولي للهامش. فهو كاتب بربري وأمي إلى حدود سنه العشرين علاوة على نمط عيشه. أؤكد في السياق ذاته أن الهامش لا يمحو ما يحدث في المركز، ولكن له الحق في أن يفصح عن حضوره. يتعلق الأمر في ندوة 'الهامش في الأدب العربي المعاصر' باكتشاف آراء وتصورات باحثين أكاديميين في خصوص فكرة الهامش في الأدب العربي المعاصر. وسوف نعمل على نشر أعمال هذا الملتقى العلمي في معرض السنة المقبلة.
تشهد بلجيكا منذ سنوات حراكا هاما فيما يخص المنجز الثقافي العربي. كيف تفسر ذلك من موقعك كباحث في الثقافة والأدب العربيين؟
ألاحظ حراكا ثقافيا دالا على الصعيد الثقافي للجالية العربية في بلجيكا منذ سنوات. تنبغي الإشارة إلى أن هاته الجالية لم تكن قبل سنوات تعير أي اهتمام للشأن الثقافي؛ لأن غالبية أبنائها كانوا من الأميين أو أنصاف المتعلمين الذين قدموا إلى بلجيكا لمجرد كسب لقمة العيش. كانت الحالة مختلفة في مهاجر أخرى: فرنسا والمملكة المتحدة؛ حيث غادر العديد من المثقفين العرب أوطانهم وآثروا الاستقرار فيها بحثا عن الحرية. ويمكننا أن نمثل لذلك بتجربة مؤسس دار الساقي في لندن. سوف أسوق تفصيلة دالة في هذا السياق؛ فقبل خمس عشرة سنة، أقدم رجل إثيوبي متفتح على فتح مكتبة في حي لي إيطان ديكسيل ببروكسيل. ولعل أبرز ما كان يسم هذا المشروع هو بيعه لكتب بلغات عدة من بينها العربية حتى يعثر كل مهاجر على بغيته. غير أن المثير في الأمر أن الرجل استمر بعد انصرام سنة فقط في بيع الكتب بكل اللغات باستثناء تلك المنشورة باللغة العربية. تغيرت الأمور في السنوات الأخيرة بعد استقرار عدد من الكتاب والمبدعين العرب في بلجيكا وأمثل لذلك بعماد فؤاد وطه عدنان وعبد المنعم الشنتوف. أرى عمل طه عدنان في هذا السياق مهما؛ إذ نظم بشراكة مع المركز الثقافي العربي ببروكسيل عددا من اللقاءات الثقافية شارك فيها كتاب عرب من بلجيكا ومختلف بلدان أوروبا وعرفت مشاركة فعالة من الجمهور العربي. يمكنني أن أقول أن الأشياء بدأت
تتغير تدريجيا ونحو الأفضل.
كيف ترى إلى الوضع الراهن للأدب العربي؟ هل يمكن الحديث عن تحول جذري أم يتعلق الأمر بعودة قوية للقديم وثوابته؟
أنا شخص متفائل جدا، ولا أخفي عنك أنني أكتشف كل يوم كتابا جددا ومؤلفين جديرين بالاعتبار. بيد أن ثمة نقاطا سلبية ينبغي أن نشير إليها. أبدأ بمعضلة الرقابة؛ ذلك أن غالبية الكتاب السودانيين على سبيل التمثيل تعيش في الخارج (الخليج أو أوروبا)، والشأن نفسه بالنسبة للصحافة العربية المهاجرة. لاحظ معي أن الأديب المصري علاء الأسواني كان مضطرا للانتظار عشر سنوات قبل أن يأذن له بطبع روايته الشهيرة. هناك أيضا الارتفاع الكبير لنسبة الأمية في العالم العربي. أود في السياق نفسه أن أشير إلى مسألة لها تعلق باللغة العربية، وتتمثل في ازدواجية الدارجة واللغة العربية الفصحى. لا اخفي إعجابي بالكتاب الذين يوظفون مستويات متعددة من اللغة العربية. أنوه في هذا المقام بالروائيين وكتاب القصة الذين يكتبون السرد باللغة العربية الفصحى والحوار بالعامية. أعتقد أن هذا الأسلوب في الكتابة يضفي حيوية على الإبداع، فيما الاستعمال الحصري للفصحى يشكل إغراقا في المحافظة. أعتقد بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره أنه ينبغي للأدباء العرب أن يحرصوا على الاتصال بثقافات العالم، وأنوه في هذا المقام بتجارب عبده خال ويوسف المحيميد ورشيد الضعيف وعلاء الأسواني التي أضفت بعدا كونيا على الأدب العربي.
يتميز حضور الذات العربية داخل الغرب بالمعنى الثقافي للكلمة من وطأة الأحكام المسبقة السلبية وتحديدا بعد الأحداث الإجرامية للحادي عشر من ايلول (سبتمبر). هل تعتقد أنه في مقدور الثقافة عموما والأدب خصوصا أن يسهما في تصحيح هذه الصورة؟
ثمة أمر محير بالفعل؛ ذلك أن نسبة كبيرة من الغربيين تشعر بالخوف من الإسلام والعروبة بعد أحداث 11 ايلول (سبتمبر) الإرهابية، لكنها تهتم في الآن نفسه وبشكل مكثف بالثقافة العربية الإسلامية. يتابع المواطنون ما تنقله الصحف وقنوات التلفزيون من أحداث لها صلة بالعالم العربي، لكنهم يرغبون في اكتشاف وجه آخر للحقيقة. ألاحظ في هذا السياق الاهتمام القوي الذي يبديه الغربيون حيال الآداب العربية المترجمة إلى الفرنسية أو الإنكليزية أو الألمانية وغيرها من اللغات. أشدد من جهة أخرى على سمة التنوع التي تميز الجمهور الغربي؛ فهناك من لا يعير أي اهتمام للأدب والثقافة وهناك من يتوفر على قيمة الفضول المعرفي التي تؤهله للتعرف على منجزات الآخر المغاير. هناك في المشهد الثقافي الأوروبي على سبيل التمثيل نوع من الديمقراطية تتيح للمتلقي الباحث عن المعرفة أن يعثر داخل مكتبة على كتاب من كل أنحاء العالم. يمكن للقارئ البلجيكي أو الفرنسي أن يكتشف رواية لكاتب بلجيكي أو فرنسي، لكنه يجد أيضا روايات لكتاب من كوريا أو اليابان أو البرازيل أو مصر أو لبنان. مشكلة الثقافة في العالم العربي تكمن في الغياب المريع لمؤسسات تعنى بترجمة الكتاب العالمي إلى اللغة العربية. وينبني على ذلك أن القارئ العربي على افتراض وجوده يجد صعوبة كبيرة في الاطلاع المستمر والمتواصل مع إبداع الآخر.
الثلاثاء، 26 مايو 2009
قراءة نقدية في (ذاكرة الوجه مرتين)
عندما قرأت روبرت فروست ذات مرة وجدت أن قصائده تتسم بالبساطة الشديدة، وكنت في كل مرة أغادر دفتي ديوانه الشعري أسأل نفسي: "هل كان روبروت فروست (هذا العملاق الشعري) يقصد الفكرة القريبة التي رأيتها في نصه الأدبي؟"، لكن الغريب أنني كلما أمعنت في تذكر سطور القصيدة أكتشف معنى مخبوءاً هنا أو هناك، لأجد فيما بعد أن وراء المعنى القريب تكمن فكرة فلسفية أرادها الشاعر.
ربما تكون هذه المقدمة مستغربة فيما أنا أكتب قراءة لقصة (روبن جان كروز / ذاكرة الوجه مرتين) للروائي السوداني الشاب هشام آدم، صافحتها ذات بحث في إحدى منتديات الشبكة.هشام آدم في هذه القصة انتهج نفس منهج فروست، حين قدم لنا قصة قصيرة تبدو في ظاهرها سرداَ لحدث ما عن شخص ما في مكان ما، لا يبدو كم كان هذا الشخص مهماً، و ربما مر في حياتنا الكثير من أشباهه؛ رجل يبدو بأصول ارستقراطية النشأة، حيث أنه ينأى بنفسه عن أن يراه أحدهم وهو ثمل فيسلك طريقا جانبية حفظا لسمعته.
يدخل إلى الملهى بطريقة تنبأ عن مكانته الاجتماعية المرموقة، البطل جان كروز تزوج حديثاً، وبالرغم من أن زوجته وفية محبة وجميلة وتملك كل مقومات الزوجة الناجحة، إلا أنه لا يريد أن يغير أياً من عاداته بما يتلاءم مع ما يقتضيه الوضع الجديد، وبالرغم من أنه يحبها ويقدرها ويستمتع بوجودها قربه.
هي عودت نفسها على التوافق مع عاداته، وما زالت تمتلك نفس المحبة له، رغم أنه لم يضعها في أولوياته، حتى عندما علم أنها تحمل جنينه، لم يمنعه هذا من مرافقة أصدقائه في تلك الرحلة الأخيرة إلى الجبل.
فيما كنت اقرأ بداية لم أقبل انصياعها له بهذه الطريقة، وتوقعت أن يكون هناك علاقة جانبية تعوضها هذا الجزء من الإهمال، لكن هشام حوّل انتباهنا لمسار مختلف، حيث بقيت مخلصة له، وفيه لعهده بعد موته، وبقي هاجسها الوحيد: كيف ترى جثته المفقودة إلى أن اكتشفها الابن في رحلة مماثلة إلى ذات الجبل.
هشام برأيي أراد الفكرة العميقة المختبئة وراء قصة عادية جرت في قرية ما كثير من الأشياء نقضي عمرنا في انتظارها بفعل قوة خارجة عن ذواتنا، ولكن الحل يكمن فينا. علينا أن نبذل جهدنا لنزيل عنها ركاما يغطيها كي نحصل عليها، تماماً كما انتظرت الزوجة من يحضر لها جثة زوجها لكن الحل كان فيها أو معها.
الركام الثلجي دفن زوجها تحته، وهي تستصرخ الناس ليدلوها على الجثة، ومن ناحية أخرى هي تحاول زيادة الركام بعدم إخبار الولد عمن يشبه أبوه وما شكله. لا أدري من ناحية أخرى لم أحسست أن هذه الزوجة كانت تعاقب زوجها الفقيد بطريقة غير مباشرة على إهماله لها في حياته و حتى غيابه القسري أيضاً.
هشام هنا من خلال تقنية مراوغة قدم لنا قصة عولمية ممكنة الحصول في أي زمان ومكان، فتركيزه كان على المواقف الإنسانية التي لا تتعلق بظروف مجتمع ما أو مكان ما، وهذا ما يخلق نوعاً من الألفة بين القارئ والقصة؛ بحيث أنه يشعر بإنسانيته.
ردود الفعل كانت مغرقة في إنسانيتها بغض النظر عما تكون جنسية/دين/انتماء من قام بها. في كل مكان سنجد هذه الزوجة المحبة التي بعفوية تكلم جثمان صديق زوجها في التابوت تسأله أن يدلها على مكان زوجها، تحاول أان تبحث عن رائحته في ثيابه بعد رحيله، ردة فعل جان المبتهجة إزاء حمل زوجته ...الخ
هناك أيضا تقنية جميلة اتخذها هشام، وهي إدارة المشاهد بحركة سينمائية؛ فالين عندما تنتظر عودة زوجها في الخامسة مساءاً ينقلنا هشام إلى المشهد المقابل عند تمام العتمة في الحادية العشرة ليلاً ثم ركضها في طرقات القرية وهي تبحث عنه صباحاً؛ حركة كاميرا ذكية، ونقلاتها مدروسة بعناية دون أن تشكل انقطاعاً لدى القارئ، كما أنها تكثف الحالة الشعورية التي أحست بها آلين.
إسقاط سياسي وجدته هنا عندما حاول هشام إستكناه ما تحس به الوعول إزاء الناس القادمين لانتهاك عذرية الجبل، هنا تظهر نسبية الأشياء: هذه الوعول ترى في المتسلقين غزاة للجبل، بينما هم يعتقدون أنهم يمارسون أبسط حقوقهم، وبما يعني أن أي كائن إنسان أو حيوان أي مجتمع من أي نوع لا يقبل أن تنتهك خصوصيته. قصة جميلة قدمها هشام آدم
الجمعة، 22 مايو 2009
أرض الميت (جديد سندباد للنشر بالقاهرة)

"في أرض الميت تتقاسم العقارب والأفاعي الأرض مع بني البشر، فتهيم العقارب والأفاعي في الأرض مساءً تحت الصخور، وأوراق الأشجار المنكفئة على وجوهها، وخلف كل شيء ساكن؛ بينما تنتشر فيها النسوة صباحاً لتهذيب الحشائش في المزارع القريبة، وتقسيم أحواض الزراعة، وعيادات المرضى، والولادت المستعجلة، والرجال لقيا المزارع والعزاءات وحفر القبور وإعداد الخمر التقليدية، والشباب لجلب الدقيق على ظهور الحمير ومغازلات الفتيات والسوق، والأطفال للعب السكج بكج، وشليل وتصنيع سيارات من علب الصفيح القديمة، والعقارب غير مسئولة عمن يخرق هذا الاتفاق؛ فتلدغ الذين يخرجون ليلاً لجنس طارئ أو بحثاً عن مفقود أو قضاء حاجة.
ورغم أن أرض الميّت قرية صغيرة إلا أنها تعج بالقصص الخرافية والأساطير عن الجن والعفاريت والضباع، ولا تزال الأجيال تتناقل بفخر غير مسبوق أسطورة أسلافهم الذين روضوا الضباع وامتطوها عوضاً عن الحمير والبغال. الرجال في أرض الميّت يصنعون الخمر، ويزرعون الخشخاش، ويرقصون الأولّيّ والهمبيق ويتفاخرون بالحمير، بينما تقوم النساء بالأشياء الأكثر أهمية، فهن يجلبن البرسيم، وينظفن المزارع والبيوت ويصنعن التركين والأبري، بينما تهتم التماسيح والعقارب بتربية الأبناء، ولهذا وغيره فإنها رواية جديرة بالقراءة، جديرة بالدرس والتحليل لمّا تثيرة من قضايا شائكة.
**
علما أن رئيس لجنة تحكيم المسابقة هو الروائي علاء الأسوانى رئيس لجنة التحكيم وسكرتير المشروع صموئيل شمعون، ومديرته كريستينا فونتيس لاروش، وأعضاء لجنة التحكيم هم: عبده وازن، وعلوية صبح، وسيف الرحبي.
الأربعاء، 20 مايو 2009
عن مشروع بيوت39
تلقت مؤسسةFestival Hay عدداً كبيراً من الأعمال الإبداعية لكتّاب شباب عرب دون الأربعين عاماً بعد إعلانها تنظيم مشروع "بيروت 39" المشروع _الذي يأتي في إطار الاحتفالية السنوية "بيروت عاصمة عالمية للكتاب"- يهدف إلي اختيار 39 كاتباً من الأدباء العرب لم يتجاوزوا سن التاسعة والثلاثين. وبدأ أعضاء لجنة التحكيم، وهم عبده وازن، وعلوية صبح، وسيف الرحبي في قراءة الأعمال فوراً. وأشار الدكتور علاء الأسواني _رئيس لجنة التحكيم- في حديث خاص مع "أخبار الأدب" إلي أنه مبهور بعدد من الأعمال التي وصلته، وقال إنها تكشف عن مواهب أصيلة في المغرب العربي، وبالطبع لم يحدد أسماء.علاء -الذي يعادل صوته بحكم رئاسته اللجنة درجتين - قال إنه قدّم اقتراحات للجهة المسئولة من أجل أن يخرج المشروع علي أكمل وجه، وأنه تم الأخذ بها جميعاً، وهي ضرورة الإعلان عن الجائزة بشكل واضح، ضماناً لوصولها إلي كل الأدباء، فالإعلان عنها في نطاق محدود كان سيفقدها مصداقيتها.
الاقتراح الثاني الذي قدّمه علاء هو ضرورة توضيح الجهة التي سيتم الإرسال إليها، فهناك عدة جهات تتشارك في المشروع، والإرسال إليها جميعاً سيعمل علي تعطيل القراءة التي يجب أن تتم أولاً بأول، أما الاقتراح الثالث فخاص بتحديد موعد أقصي للتقديم حتي يتم حصر الأسماء. علّق قائلاً: "غير معقول أن ننتهي من حصر الأعمال وقراءتها، ثم نفاجأ بأعمال أخري، ينبغي أن نعمل وفق خطوط صارمة ضماناً للدقة التامة"!
والاقتراح الأهم بالنسبة له كان ضرورة أن يقرأ أعضاء لجنة التحكيم جميعاً كل الأعمال الواردة من أصحابها أو التي رشّحتها جهات أخري، فمشكلة بعض الجوائز أن أعضاء لجان التحكيم بها لا يقرأون كل الأعمال، وإنما يتم تقسيمها عليهم، وهو ما يضيع شيئاً من مصداقيتها.وقال الأسواني إن كل عضو باللجنة سيمنح العمل درجة واحدة، وسيكون صوته بدرجتين، ولأن الأعضاء الباقين معه ثلاثة فإنه سيحتاج دائماً إلي أحد أصواتهم ليرجّح عملاً من الأعمال.وستدخل الأعمال -التي تحصل علي أعلي درجات- مرحلة متقدّمة من التصفيات تمهيداً لإعلان قائمة الـ39، ويستطيع الكاتب الذي يملك أكثر من عملين أن ينافس بقوة، فلو أن مبدعاً فشل في الاختبار بكتابه الأول فإنه يستطيع الإكمال بكتابه الثاني وهكذا، كما يستطيع صاحب الكتاب الواحد أن ينافس بقوة إذا كان عمله جيداً.
وحتي يوضح الفكرة السابقة أشار الأسواني إلي أن هذه المسابقة ليست خاصة بالأعمال المهمّة، ولكنها خاصة بالأدباء المهمين: "نحن نريد أن نختار أهم 39 كاتباً، ونحن نريد تقييم الكاتب لا العمل، ومدي قدرته علي التطور في أعمال لاحقة، وإمكانياته"! وحول الشائعات التي يردّدها الوسط الثقافي وتؤكد أن هناك أسماء ضمنت الفوز بالفعل قال الأسواني: "لو استشعرت هذا الموضوع فإن اعتذاري في جيبي، هذا موضوع لا يقبل الهزار أو المزايدة، أنا أحترم نفسي قبل أي شيء، ولا أنتظر مقابلاً لما أفعله، وإنما أنظر للمشروع باعتباره خدمة عامة، ولا أدلّ علي اهتمامي من الاقتراحات التي ذكرتها، هناك جوائز غير منصفة وأنا لا أقبل أن أشارك في جائزة غير منصفة"!
ورد الأسواني علي شائعة أخري تؤكد أنه هو شخصياً سيدعم كتاباً بأعينهم في مصر وأنه هو من رشحهم للتقدم إلي الجائزة قائلاً: "لن أقف وراء أحد، ولكن في الوقت نفسه ليس مطلوباً أن أحجب رأيي، هناك بالفعل أسماء أنا متحمس لها، ولكن صوتي وحده لن يفيدهم في شيء إذا لم يحصلوا علي صوت آخر من أصوات أعضاء لجنة التحكيم، كما أنني لم أرشح أحداً، هذا ليس من سلطتي، وليس من حقي"!
وحصلت أخبار الأدب علي نص المراسلات بين رئيس لجنة التحكيم وسكرتير المشروع صموئيل شمعون، ومديرته كريستينا فونتيس لاروش، وقال الأسواني في إحدي هذه المكاتبات لصموئيل: "بدأت في قراءة الأعمال التي أرسلتها، أرجو أن يكون أعضاء اللجنة يقرأون الأعمال نفسها كما اتفقنا، لا أزال أنتظر إعلاناً عن المسابقة في مصر، فلا أحد يعرف بها، وقد تحدثت بنفسي مع عدد من المسئولين بصحف كبري، وهناك من تحمّس للنشر، إن الإنصاف يقتضينا كما تعلم أن نعلن عن المسابقة بشكل واسع أكثر مما يحدث بكثير، مع توضيح الشروط وكيف يرسل المتسابقون أعمالهم، وتحديد موعد أقصي للقبول"!
وكتبت كريستينا في رسالة أخري: »كما تعرفون جميعكم، فقد اعتمدنا من أجل إطلاق هذا المشروع علي مساعدة بانيبال التي أجرت عملية بحث واسعة لوضع قائمة أولي بالمؤلفين الشباب الأكثر أهمية في التراث العربي الذين يكتبون باللغة العربية أو بأيّ لغة أخري. ولكي تكون القائمة شاملة ومتنوعة بقدر الإمكان، استخدمنا جميع مصادر المعلومات الممكنة المتعلقة بالمؤلفين، وأدرجنا بعض الاقتراحات التي قدّمها عدد من النقّاد الأدبيين والأكاديميين والمختصين في الأدب والقرّاء، وما إلي ذلك. وبغية تسهيل دوركم كهيئة حكّام، نقدّم لكم ملخصاً بالمعلومات الرئيسية والجدول الزمني للأشهر القليلة المقبلة، التي ستتوّج بإعلان القائمة النهائية للكتّاب البالغ عددهم 39كاتباً ومؤلفاً في 4 سبتمبر2009" وأضافت: "لكي يصبح الكاتب مؤهّلاً للمشاركة في "بيروت 39"، يجب أن تتوفر لديه المعايير التالية: أن يكون من مواليد 1970 وما بعده؛ وأن يكون عمله من صميم التراث العربي أو من العرب في الشتات (الجيل الأول/ الجيل الثاني)؛ وأن يكون قد صدر له ما لا يقل عن عمل واحد (قصة أو شعر). وسيتحدد الاختيار بناء علي حصيلة أعماله، سواء كانت كثيرة أم قليلة، وعلي الرغبة التي يبديها الكاتب في التطور".
وحددت المؤسسة قائمة مبدئية بالأسماء التي تري أنها الأهم في العالم العربي بالترتيب الأبجدي الذي سيختلف من الإنجليزي إلي العربي حيث إن القائمة التي حصلت عليها أخبار الأدب تبدأ باسم الأب ثم اسم الكاتب.
من مصر:
· أحمد العايدي،
· حسن عبد الموجود
· أشرف عبد الشافي
· نجاة علي
· نورا أمين
· شحاتة العريان
· وائل العشري
· محمد صلاح العزب
· طارق إمام
· منصورة عز الدين
· محمد فتحي
· عماد فؤاد
· حمدي الجزار
· محمد متولي
· صفاء النجار
· مني برنس
· يوسف رخا
· ورنا التونسي
· نائل الطوخي
· أحمد يماني
· زهرة يسري
من العراق:
· أحمد سعداوي
من الأردن:
· حسين جلعاد
من الكويت:
· مني كريم
من لبنان:
· لنا عبد الرحمن
· سوزان عليوان
· جمانة حداد
· ربيع جابر
من ليبيا:
· هشام مطر
من المغرب:
· حسن بحاره
· عبد القادر بن علي
· نجاة الهاشمي
من فلسطين:
· سامر أبو هواش
· علاء حليحل
من السودان:
· هشام آدم
· رانيا مأمون
· خالد عويس
من سوريا:
· ليندا حسين
· ماهر شرف الدين
· سمر يزبك
ومن تونس:
· إيناس العباسي.
وربما أقلقت هذه القائمة الدكتور علاء الأسواني، كما أنه شعر بالتباطؤ في الإعلان بشكل موسع عن الجائزة وهو ما دفعه إلي إرسال إيميل آخر إلي كريستينا يؤكد فيه علي ضرورة الإعلان، وقال الأسواني لـ"أخبار الأدب": "لا بد من ضمان وصول فكرة الجائزة إلي كل المبدعين، أنا تلقيت رسالة من صموئيل شمعون يقول لي: لا تقلق نشرنا عنها في كيكا، وهناك أعمال وصلتنا، وأنا مندهش من صيغة الكلام هذه، فهناك كثيرون قد لا يعرفون بالضرورة هذا الموقع، أو يعرفونه ولا يفتحونه في هذا التوقيت، كما أن فكرة القائمة لا تكفي، وعلي المبدعين أن يتقدموا بأنفسهم، وأنا لا أريد أن تقتصر قائمة الفائزين علي أسماء الصحفيين الذين نتعامل معهم، ولن أسمح بذلك"!
وسينعقد مهرجان بيروت 39 في الفترة من 4-7 مارس 2010 بمشاركة الكتّاب الذين سيتم اختيارهم. وسيكون بمقدورهم مقابلة الجمهور في المكتبات والجامعات والمدارس والأماكن العامة الأخري.
وقالت كريستينا في البيان الذي وزّعته علي الصحف إن التراث الذي سيصنعه مهرجان بيروت 39 هو زيادة فرص الوصول إلي أدب عربي معاصر عن طريق نشر مقتطفات من الروايات القصيرة التي كتبها الفائزون وجعلها في متناول الجميع، وستتوفر هذه المطبوعات باللغات العربية والإنجليزية والإسبانية، كما سيتم الترويج لها عالمياً..
وتتبع "بيروت 39" مهرجان بوجوتا 39 الذي أعدّته »هاي فيستيفال«بمناسبة اختيار بوجوتا عاصمة عالمية للكتاب حيث تم اختيار 39 كاتباً لاتينياً من أصل 250 مرشحاً شاركوا في مهرجان استمر أربعة أيام بالعاصمة الكولومبية، ومن بين المتعاونين لإنجاز مهرجان بيروت: لجنة اليونسكو، مؤسسة بانيبال للأدب العربي، والمجلس البريطاني بلبنان.
المصدر: جريدة أخبار اليوم المصرية
الرواية كأداة قياس
إن من أكبر الأخطاء التي يقع فيها كثير من الأدباء، عدم تفريقهم بين الأجناس الأدبية، وأصبح من الواضح أن دور النقد في هذه المرحلة، والمراحل المقبلة هو معالجة هذا الخطأ الفادح الذي يُصيب الحركة الأدبية والكتابة الإبداعية في مقتل؛ إذ أنّ خللاً مثل هذا، من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من غريب الأجناس –تحت دعوى الحداثة- إلى الأدب، وعملها على تقويض دعائمه، كما هو الحال الآن لكل من جنسي: التداعي الحر، والخاطرة الأدبية القائمين على الاسترسال الوجداني، ومخاطبة الذات في المقام الأول منفصلين بذلك عن المجتمع والآخر، ومنظومة القيم السلطوية، ومنعزلة عن الأهداف الأساسية للأدب وللكتابة الإبداعية، والتي سوف يأتي الكلام عنها لاحقاً في هذا المقال.
ومن بين الأخطاء الأكثر شيوعاً في الأوساط الأدبية قاطبة، إدراج فن القصة القصيرة ضمن قائمة الأجناس الأدبية، وهو الأمر الذي يجعلنا نُعيد النظر في فهمنا لهذا الجنس الأدبي، ومعرفة أصوله وجذوره الأولى.
ويهمني في المقام الأول أن أؤكد على حداثة الفن السردي في مقابل الفن الشعري الضارب في الجذور، فيما يتعلّق بتاريخ الأدب العربي The History of Arabic Literature، وجميعنا يعرف ما للشعر من مكانة في الأدب العربي القديم، وكيف أنه كان يُمثل كافة الفنون والألوان الأدبية المعروفة الآن من: قصة، ورواية، وسيرة، وتأريخ، بينما اقتصر الأدب السردي في ذلك الوقت على الخطابة، والتي لم تخل –هي كذلك- من النفس الشعري المتمثل في: الطباق والجناس، والألوان والمحسنات اللغوية المتأثرة بالشعر؛ بل إنه لم تكد تخل خطبة قط من قصيدة شعرية سواء في متنها أو في ذيلها.
"يا أيها الناس اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا؛ إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، مطر ونبات، وأرزاق وأقوات، وآباء وأمهات، وأحياء وأموات، جمع وأشتات، وآيات وأرض ذات رتاج, وبحار ذات أمواج، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا هناك فناموا، أقسم قس قسماً لا حانث فيه ولا آثماً إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه، ونبياً قد حان حينه، وأظلكم أوانه، فطوبى لمن آمن به فهداه, وويل لمن خالفه وعصاه (...) تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية، والقرون الماضية، يا معشر إياد أين الآباء والأجداد، وأين ثمود وعاد، وأين الفراعنة الشداد، أين من بنى وشيد، وزخرف، ونجد، وغره المال والولد، أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال أنا ربكم الأعلى، ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً، وأطول منكم آجالاً، وأبعد منكم آمالاً، طحنهم الثرى بكلكله، ومزقهم بتطاوله؛ فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية، عمرتها الذئاب العاوية، كلا بل هو الله الواحد المعبود، ليس والد ولا مولود.
فـي الذاهبين الأولين من القرون لـنـا بصائر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقـين غابـر
أيقنت أنـي لا محـالـة حـيـث صار القـوم صائر
"من خطبة قس بن ساعدة الإيادي- البيان والتبين للجاحظ"
وللتفريق بين فن القصة (الحكاية)، وبين الرواية والتي تنقسم بدورها إلى رواية قصيرة، ورواية طويلة؛ فإنه من الضروري أن نعرف أن هذا التفريق لا يتأتى إلا بمعرفة أغراض هذا اللون الأدبي، لاسيما إذا عرفنا أن تناول هذه الأغراض الآن لا يُمكن أن يكون بمنأى عن والثورات النقدية الكبرى التي قامت في أوربا، وتأثر بها الأدب العربي بالمقابل.
ففي حين يقوم هدف القصة أو الحكاية على التسلية واستخلاص العبرة، تتجاوز الرواية هذين الهدفين إلى أبعد من ذلك؛ فالرواية تتناول المجتمع والذات بالنقد والتقويم والتحليل، كما تعمل على التبصير بحركة التاريخ، وتبسيط هذه الحركة في قالب فني أدبي، له اشتراطاته التي حددتها مساعي الحركات والمقولات النقدية المجتهدة، والمرتكزة على أُسس فلسفية في المقام الأول، وفي حين تكتفي القصة أو الحكاية بمجرّد التسلية والتلميح بالعبرة، فإن الرواية ترفض أن يكون الفن أو الأدب أداة وعظية، ولا يجدر بالروائي أو الأديب أن يكون واعظاً كذلك.
(... َمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف:176)
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) (يوسف:3)
(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (القصص:25)
إذن؛ فالقصة والحكاية هما جنس أدبي واحد، يهدفان في الأصل –كما أشارت الآيات- إلى التذكير والتنبيه والوعظ، ولا تحمل القصة في ثناياها أيّ جانب فلسفي أو عمق معرفي بالمعنى الذي تناولته المقولات النقدية. ولقد كان لفن القصة -بهذا المفهوم- شأنه وأهدافه في تاريخ الأدب العربي القديم، أيّ منذ عصور المشافهة، وكانت العرب تأنس بالحكايا والقصص، ولم تخل مجالسهم من ذكرها، فكانت تُقال للتسلية كذلك، فخرج كتاب "ألف ليلة وليلة" Arabian Lights، وعندما بدأت حركة النقل والتجربة، اهتم العرب بترجمة القصص، فتُرجمت "كليلة ودمنة" The Five Seasons عن الأدب الهندي القديم.
وعلى هذا فإننا نرى أنّ القصة -القائمة في أساسها على ثقافة المشافهة- قد اندرست، وانقرضت من قرون طويلة، ولم يعد استخدام اسم "قصة" على الجنس الأدبي المعروف الآن لائقاً أو صحيحاً، لأن أغراض السرد تغيّرت منذ حركات الحداثة الأولى، والتي قامت في أوربا وتأثر بها الأدب العربي الحديث، وأعلنت انتهى عهد المشافهة. ومن المعلوم أن هذه الحركات النقدية استصحبت معها المقولات الفلسفية وتطوراتها وأفادت منها كثيراً، ويُصبح الكلام عن القصة في إطار الوعظ في عصرنا هذا ضرباً من الكلام عن التراث.
وفي كلام العرب لن نجد للرواية ذكراً على النحو المتعارف عليه الآن، لأن فن الرواية فن حديث، ولكن تستخدم العرب الرواية للدلالة على القول والنقل بالمشافهة، فتقول العرب: روى الحديث، وروى الشعر؛ بينما جاء في مختار الصحاح باب (س.ر.د) "فلان يَسْرُد الحديث إذا كان جيد السياق له"؛ إذن فالعرب لم تفرّق قديماً بين الحكاية والقصة، بل اعتبروها جنساً واحداً داخلاً في السرد، فقط من أجل التفريق بينه وبين الشعر.
إن ما نعرفه اليوم بالقصة القصيرة ما هو إلا رواية قصيرة، لأن فن الرواية يُعتبر الابن الشرعي والوحيد لمجمل الحركات النقدية الحداثوية، فهو يتناول الحياة في مجملها، والإنسان كأحد عناصرها الأساسية، ويُعبّر عن موقفه منها، ويُحلل ويناقش القضايا المصيرية والوجودية بشيء من العمق، كما تتناول الرواية الجوانب الإنسانية الوجدانية، ولكن ليس بمنعزل عن حركة الحياة والمجتمع، إذن فهو يتناول الإنسان كفرد داخل المجموعة، وليس كما تتناوله القصة (الحكاية) كفرد خارجاً عن المجموعة.
لا شيء يُدعى "قصة" الآن، ومن يُريد إيجاد هذا الجنس الأدبي عليه أن يبحث في التراث العربي القديم، حيث الحكايات التي تتناول التسلية والوعظ والإرشاد، وتدير صراعات القيم الدنيا بلا وعي وتفتقر إلى العمق الفلسفي المطلوب، ولكن ما يُعرف الآن بالقصة القصيرة، هو في حقيقته "رواية قصيرة" ليس إلاّ! وأولئك الذين يُصرّون على تسمية الرواية القصيرة بالقصة القصيرة، إما معترفون بسطحية الأدب الذي يُقدمونه، أو جاهلون بالاختلافات الكبرى بين هذين الجنسين الأدبين، وقد يسقط الروائي –دون علم- بعمله السردي إلى قاع الحكاية، إذا لم يحرص على أن يبتعد عن التسطيح، والتناول الساذج للقضايا الإنسانية، ولم يجتهد في تفعيل هذه العناصر وعولمتها، لتُصبّح مُعبّراً حقيقياً عن الحياة الإنسانية بكل اختلافاتها وتعقيداتها وثرائها.
إن الباحث في تاريخ الأدب العربي يجد أن الانطلاقة الفعلية لفن الرواية العربية تبدأ مع بدايات القرن العشرين، بسلسلة من الأعمال الروائية التي خرجت بالسردية من مستنقع الحكاية إلى بحور الرواية، مستفيدة مما قدّمته الحركة النقدية من إسهامات جليلة في تغذية الفكر الإنساني، وتطويره منذ بداية القرن العشرين، إذ تلازم السؤال عن أهداف النقد ووظائفه مع السؤال عن أهداف الأدب ووظائفه كذلك، فخرج بالأدب من قمقم الجمالية الشكلية إلى اعتباره نشاطاً فكرياً قائماً بحدّ ذاته، والعارف بتاريخ الحركات النقدية الحديثة يعلم تماماً التزام هذه الحركات بالأسس الفلسفية والتصاقها بها، إلى الحد الذي يجعلنا نعتبر أن الأدب والنقد لا يتجزءان عن الفلسفة؛ فظهرت لنا مدارس البنيوية Structuralism والوجودية Existentialism والظاهراتية Phenomenology وغيرها من المدارس النقدية الحديثة.
بعد التفريق بين القصة والرواية، ومعرفة أن القصة هي نفسها الحكاية، وأن القصة القصيرة بمعناها الأدبي الحديث والملتزم بالمقولات النقدية الحديثة إنما هو رواية، وليس قصّة، آتي على تناول فن الرواية الطويلة على اعتباره أحد أهم الأجناس الأدبية الحديثة، وكيف يُمكن للرواية أن تكون أداة للقياس، ولكن قبل ذلك أحب أن أتناول أحد عناصر الرواية الهامة والتي يقول عنها بعض النقاد أنها الفيصل الوحيد بين الكتابة الإبداعية والكتابة التدوينية ألا وهو (الخيال Fiction).
ومن قبل تناول عدد من النقاد عنصر الخيال بالكثير من التفصيل، ومن بينهم السير سيسل موريس بورا Sir Mourice Bowra الذي تناول الخيال البدائي، والخيال الرومانسي، وأُضيف إليه حديثاً الخيال السحري (الفنتازيا)، والخيال العلمي Science Fiction مؤخراً.
إن الكلام عن الخيال هو كلام خصب للغاية، ولكن يهمنا في المقام الأول أن نعرف ما هو الخيال، وهل هو عنصر أساسي في الرواية فعلاً أم لا، وما الفرق بين الخيال والتخيّل أو بين Imagination و Fiction؟ والواقع أنّ الخيال هو عنصر أساسي في الكتابة الإبداعية بشكل عام سواء على المستوى الشعري أو السردي، والخيال في مطلقه شيء غير حقيقي، ولكنه مرتبط بالواقع، بل ويستمد قوته منه، وقد جاء في لسان العرب في باب (خ.ا.ل): " خالَ الشيءَ يَخالُ خَيْلاً وخِيلة وخَيْلة وخالاً وخِيَلاً وخَيَلاناً ومَخالة ومَخِيلة وخَيْلُولة: ظَنَّه، وفي المثل: من يَسْمَعْ يَخَلْ أَي يظن" فهو تصوّر الشيء في غير موقعه.
ويحتاج الكاتب إلى الخيال ليُعبّر عن مكنونات نفسه بصورة أدق، فيقول أحدنا: "ضاقت الأرض بما رحبت" للتعبير عن حالة الضيق والكدر والغم، وهذا كلام متخيّل، فالأرض لا تضيق فعلياً، فهو يتصوّر الشيء في غير موقعه، وقد يقول أحدنا: "شعرها أسود كالليل" وهو تشبيه يقع على المحبوبة، بقرينتين: السواد، والطول، وهو تصوّر غير واقعي على أيّ حال، وهكذا فإننا نرى استخدامات الخيال في الوصف والتشبيه والمقاربة وغيرها من الاستخدامات الأدبية المتعددة.
وعن نفسي فإني أعتبر الخيال ليس شيئاً سوى تشويه الواقع، فخيال المتخيّل مهما طمح ورمح، فلن يعدوا كونه تشويهاً للواقع، فالخيال لديّ لا يعتمد إلا على هذا التشويه أو مخالفة العادة، وأياً يكن الأمر فالخيال عنصر أساسي من عناصر الكتابة الإبداعية، ولاسيما الرواية، بل إن بعض النقاد عدّه من أهم العناصر التي يُمكن بها التعرّف إلى قدرات الروائي، وكلّما كان خياله خصباً، كلما كان أكثر تميّزاً. وهنا نفرّق بين الخيال Fiction والتخيّل Imagination والتي تهتم فيها الأولى بالكتابة الإبداعية، بينما تظل الثانية عامة ومفتوحة على كافة العمليات الذهنية التخيّلية سواء البسيطة منها أو المعقّدة، فالخيال Fiction هو عمل إبداعي، بينما التخيّل ليس كذلك، وعلى هذا يُمكننا أن نقول بأن كل خيال Fiction هو صنف من التخيّل، ولكن العكس ليس بصحيح على الإطلاق، فليس كل مُتَخيّل بالضرورة خيال.
إن الكلام عن فن الرواية يعني بالضرورة ربط هذا الفن بعناصر متعددة: منها ما هو مستقل بذاته، ومنها ما ليس كذلك، فالوقائع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي في الحقيقة دوائر متداخلة، ولكنها غير مستقلة على الإطلاق عن الإنسان، فهذه العناصر مجتمعة مرتبطة بوجود الإنسان ووعيه وتفاعله مع البيئة ومع نفسه، ورغم ذلك فإن ثمة حيوات منفصلة تماماً عن هذه المنظومة المتداخلة، وأقصد بذلك الحيوات الذاتية لكل فرد؛ فللفرد داخل المجموعة حياته الخاصة أو السريّة التي يعيش في صراع بينها وبين ما يقتضيه وجوده الاجتماعي: ما يرضاه وما يتمناه، ما يفعله وما يتمنى أن يفعله، ما يقوله وما لا ينبغي أن يقوله.
وفن الرواية باعتباره فناً يُحاكي الواقع أو يوازيه، فإنه -بطريقة ما- يُصبح الطريقة الأنجع، والأكثر إبداعاً لخلق وقائع مثالية (ربما)، أو أقرب إلى خوض صراع افتراضي ما هو كائن، وما هو ممكن أو مستحيل الإمكان. وكأن الروائي -حين يكتب روايته- يُجري حوارات مفترضة بينه وبين سلطة واقعية سواء كانت هذه السلطة سلطة اجتماعية أو دينية أو حتى سلطة الذات العليا. وهو بذلك إنما يحاول قياس إمكانية المعقول منها وغير المعقول، ويبتكر شخوصاً يُقدمهم قرابين لهذا الاختبار الوجودي في الحقيقة.
إنّ الحياة الواقعية المعاشة بشكل يومي تمثل مجموعة من المصادر الروائية لآلاف القصص والحكايات الحيّة، التي يُمكن استنساخها وإعادة صياغتها في قوالب فلسفية سردية جديدة، يُنتج فيها المبدع عناصرها الأساسية المترتبة أو السابقة عليها: الزمان والمكان والشخوص والحدث؛ إذن فثمة حياة جديدة (مكتملة العناصر) يبتكرها الروائي لسبب ما: إما لقياس قدرته على المحاكاة الجيّدة، أو لخلق صراعات افتراضية يقيس بواسطتها إمكانية قبول المتخيّل لديه من قبل الآخر.
الأمر يُشبه –إلى حدّ ما- محاولاتنا لوضع تخمينات حول ردود أفعال المجتمع إزاء وجهات النظر الخاصة، ومدى قبول الآخر بالأنا، تلك التخمينات التي نصوغها باستمرار في حياتنا اليومية بطريقة تلقائية حتى دون أن نشعر بذلك، ووضع خطط بديلة لأنماط سلوكنا بناء على استنتاجات منطقية مستقاة من خبراتنا العامة، كأن نقول: "ترى ماذا سوف يحدث إذا تغيّبت عن العمل دون إخطار مسبق؟" وعند طرح سؤال كهذا (مثلاً)، فإننا لا نبحث عن الخطوات الإجراءات، وإنما نحاول كشف الأبعاد المتعلّقة بذواتنا الخاصة؛ بمعنى: أننا لا نتساءل عمّا سوف تتخذه المؤسسة من إجراءات قانونية، وإنما عما تترتب عليه هذه الإجراءات، وتؤثر مباشرة في نظرة الآخر إلينا، ومن ثمّ علاقة ذلك بنظرتنا إلى أنفسنا وتقديرنا لذواتنا.
"ترى ما الذي سيحدث إن خرجت إلى الشارع عرياناً؟" هذا السؤال لا يبحث عن الخطوات الإجراءات، وإنما عن تداعيات هذه الخطوات؛ فمن المؤكد أنني سوف أكون معرضاً للمسائلة القانونية إذا خرجت إلى الشارع عرياناً، وربما يتم تقديمي إلى المحاكمة، ربما أسجن، وربما أجلد، ولكن هل هذا هو ما يُهمني معرفته فعلاً من هذا السؤال؟ أم: ماذا سيقول الناس عني؟ كيف ستكون علاقتي بأهلي، وجيراني بعد ذلك؟ هل سيقل احترامهم لي؟ إلى أيّ مدى قد يتأثر تقديري لذاتي جراء ردود أفعال الآخرين؟ هذه هي الأسئلة والهواجس الحقيقة التي تشغل بالنا على أيّة حال، وهذا ما يحاول الروائيون بحثه ومناقشته في رواياتهم.
يُحقق الروائي نوعاً من الشعور بالرضا لدى تمكّنه من خلق هذه الإمكانيات، وطرحها دون أن يكون مسائلاً من الآخر بصورة مباشرة؛ فهو يطرح تساؤلاته الذاتية من خلال الآخر (شخصيات الرواية Characters)، ويُحمّلهم تبعات هذه التساؤلات التي يخلقها بنفسه. ثمة أشخاص قد لا يطرحون مثل هذه التساؤلات إما لكونهم في حالة تصالح أو تسوية مع الذات أو الآخر، أو لكون خبراتهم الخاصة لا تحمل محفزات كافية لإثارة هكذا تساؤلات، ولكن الروائي حين يبتكر شخوص روايته؛ فإنه يضع لهم سماتهم الشخصية العامة والخاصة، وتاريخهم النفسي والاجتماعي والثقافي والمعرفي ليُمهّد لمنطقية ما ليس بمنطقي، أعني الأفكار المتعارضة تماماً مع مجتمعه.
هذا التكتيك السردي التحايلي يُمثل متعة بحدّ ذاتها، ولكن المتعة الحقيقة تكمن في نجاح هذه الشخصيات المبتكرة من اختراق قوانين الآخر، وقدرتها على فرض نفسها في الواقع المستنسخ عنه، وبمعنى آخر قدرة هذه الشخصيات على القفز من واقع المحاكي إلى الواقع المحاكي منه، والأغرب من ذلك كلّه، هي قدرة هذه الشخصيات على التخلّص من مبتكريها واستقلالهم عنهم وتلك هي النقطة التي تجعلنا نحكم على هذا المبتكر بالفرادة والتميّز، بينما يفشل عدد من الروائيين في خلق شخصيات قادرة على إنجاز هذا النجاح ولو بصورة صورية مؤقتة.
إذن، قد تكون الرواية أداة قياسية يستطيع بها الروائي أن يقيس ردود أفعال المجتمع تجاه أفكار محددة، أو توجهات فكرية ما، دون أن يخشى المحاكمة، وهذا الكلام ليس بالضرورة قابلاً للتعميم، ولكنني أقول بأن الرواية في مرحلة ما من مراحلها تشكل الروائي وليس شخوص الرواية، وهذا يظهر جلياً في بعض هنّات الرواة، والتي تمثل طغيان الروائي على الراوي. وفي كثير من الحالات الروائية؛ لاسيما في الأدب النسوي (إن صحّت التسمية)، يتم استخدام الرواية لهذا الغرض، هذه الحالة من القطيعة بين الروائي والراوي لا نجدها منتشرة بكثرة في الأدب العالمي، ربما لأن ثمة مصالحة كبرى بين الفرد وبين المجتمع، وأن الفرد هناك نجح إلى حدّ كبير في وضع هوامش لحرياته حسبما يراها ويريدها، ولكن تظل هذه السمة (الحرية) مفقودة في الأدب العربي، لخلو الأجواء العربية من الحريات المطلوبة للإنتاج الإبداعي.
ولاشك عندي أن القهر Oppression والعنصرية Racism والتمييز Discrimination بكافة أشكالها، تُعد مولّدات حقيقية وفاعلة في نشوء مثل هذه النماذج المشوّة من الكتابات الإبداعية، إذ –كما قلنا سابقنا- فن الرواية لا ينبغي له أن يتناول الفرد خارجاً عن سياقه الاجتماعية والبيئي، بل يُعتبر الإنسان عنصر أساساً من عناصر البيئة يؤثر فيها، ويتأثر بها في المقابل، وإنّ أيّ إخلال بهذه النسق التفاعلي قد يُمثل أولى درجات انحطاط الأدب بشكل عام، والرواية بشكل خاص.
لا أطالب بذلك محاكمة الروائيين من خلال كتاباتهم، بقدر ما أُطالب بالتفهّم التام لمثل هذه الحاجات الإنسانية المُلحة، وتقدير هذه القطيعة الكائنة بين الأدب ومنتج الأدب، بين الكاتب والمكتوب، بين النص والناص، وأن نتعرّف إلى الأجواء التي وفرها القمع والقهر وساعدت على ظهور مثل هذه النماذج. إن الروائي بذلك يُعد مجنياً عليه، لا جانياً، مظلوماً لا ظالماً، بل وهذا التحال لا أعتبر إلا فتحة هواء نقيّة في فضاء موبوء.
الثلاثاء، 19 مايو 2009
Born on May 19th
* André the Giant - Wrestling - 19-May-1946 / Professional wrestler with Giantism
* Nathuram Vinayak Godse - Assassin - 19-May-1910 / Assassinated Gandhi
* Jason Gray-Stanford - Actor - 19-May-1970 / Lt. Disher on Monk
* Lorraine Hansberry - Playwright - 19-May-1930 / A Raisin in the Sun
* David Hartman - Talk Show Host - 19-May-1935 / Good Morning America
* David Helfgott - Musician - 19-May-1947 / Subject of the biopic Shine
* Dusty Hill - Bassist - 19-May-1949 / ZZ Top
* James P. Hoffa - Labor Leader - 19-May-1941 / Jimmy Hoffa's son
* Clive R. Hollick - Businessman - 19-May-1945 / CEO of United Business Media, 1996-2005
* Johns Hopkins - Businessman - 19-May-1795 / Johns Hopkins University and Hospital
* Grace Jones - Singer/Songwriter - 19-May-195 / Slave to the Rhythm
* Jacob Jordaens - Painter - 19-May-1593 / Flemish painter, associate of Rubens
* Gary Kildall - Businessman - 19-May-1942 / Founder of Digital Research, Inc.
* Nancy Kwan - Actor - 19-May-1939 / The World of Suzie Wong
* Bill Laimbeer - Basketball - 19-May-1957 / Detroit Pistons #40, retired
* George P. Lawrence - Politician - 19-May-1859 / Congressman, committed suicide
* Gerry Laybourne - Businessman - 19-May-1947 / CEO of Oxygen Media
* Raymond F. Lederer - Politician - 19-May-1938 / Congressman snagged in ABSCAM
* Blair Lee III - Politician - 19-May-1916 / Governor of Maryland, 1977-79
* Jim Lehrer - Journalist - 19-May-1934 / Lehrer News Hour on PBS
* Eric Lloyd - Actor - 19-May-1986 / The Santa Clause 2
* Frank Lorenzo - Businessman - 19-May-1940 / Former CEO, Eastern Airlines
* Edmund C. Lynch - Businessman - 19-May-1885 / The Lynch of Merrill-Lynch
* Malcolm X - Activist - 19-May-1925 / Nation of Islam
* Archie Manning - Football - 19-May-1949 / New Orleans Saints QB, 1971-82
* Peter Mayhew - Actor - 19-May-1944 / Chewbacca in Star Wars
* Brad Miller - Politician - 19-May-1953 / Congressman, North Carolina 13th
* John Mills-Cockell - Musician - 19-May-1946 / Intersystems electronics
* Ho Chi Minh - Activist - 19-May-1890 / Uncle Ho
* Mohammed Mossadegh - Head of State - 19-May-1882 /Prime Minister of Iran, 1951-53
* Max F. Perutz - Chemist - 19-May-1914 /X-Ray analysis of hemoglobin
* Elena Poniatowska - Journalist - 19-May-1932 / Mexican feminist writer, journalist
* Pol Pot - Head of State - 19-May-1925 /Leader of the Khmer Rouge
* Joey Ramone - Musician - 19-May-1951 /The Ramones
* Phil Rudd - Drummer - 19-May-1954 / Drummer for AC/DC
* Mário de Sá-Carneiro - Poet - 19-May-1890 /Dispersão
* Dolph Schayes - Basketball - 19-May-1928 / NBA Hall of Famer, coach
* Tom Scott - Musician - 19-May-1948 /Prolific composer, session player
* Eric Show - Baseball - 19-May-1956 /MLB pitcher
* Nicole Brown Simpson - Victim - 19-May-1959 /OJ's murdered ex-wife
* George Sinner - Politician - 19-May-1928 /Governor of North Dakota, 1985-92
* Pete Townshend - Guitarist - 19-May-1945 /Lead guitarist for The Who
* John D. Waihee III - Politician - 19-May-1946 / Governor of Hawaii, 1986-94
* Robert Wilcox - Actor - 19-May-1910 /The Man They Could Not Hang
ذاكرة على ورق
ذات الاغنية ترتدي وشاح الأثير لتهبط على أذني وتتكئ على جدار الماضي، طارقة ابواب خِلتُها إنكفاءت على النسيان. لكن الجرح كان اقوي من الذاكرة. والنسيان ما كان إلا سراباً نخبت على شرفه كأسي الظامئ للإنعتاق من ذاكرة أرهقت مضجع العمر، فأنبجس الموت مصفراً ما بين الخلايا، مقيتاً. داعياً لتقيؤ الحياة.. شهق الماضي على زفير مصباح أخير،خلته سيضئ ما تبقي من العمر..لكنه أنطفأ لافظاً أخر نفس مع أول قاسم مشترك بيني وبين ذكريات طفحت على انسجة الدماغ بمجرد الإستماع الي لحن رقص القلب يوماً على إيقاعه النزيف .
***
ذات مساء عذب. تدثرنا فيه بالحب أهديتني ذات اللحن، أخبرتني عن شغفك بلإستماع للراحل عثمان حسين، كما وأخبرتني أن اللحن هو المفضل لديك، يومها لملمت ما تبقي من حطام القلب، زحفت روحي في كل إتجاهات الحقيقة الغائبة بأمر الصمت وعهود النسيان التي عاهدت نُدبي القديمة علىها في عجلة من جراحات خلتها الأخيرة كإشباع وهمي بأمل تثاءب داخل حلم، القيته أنت على كسر الواقع، فدميت أقدامي بشظاياه المتناثرة، يااااه. شكراً حزين لخطوة كانت بحجم شمسٍ صرعت ظلال قمراً سجي في سماءه العمر.
"لكنني كم أنا حقـــاً بكـيت أسي فكـــلُ فجرٍ له في القلب إيلامُ
وكـل بدرٍ فظيــع في نقـــاوته وكـل شمسٍ بها مر و إرغــــامُ
فالحـب في لسعه الحرّيف نفَّخنـي سكــراً فهبت من التخدير انسامُ
ألا لينشـــقَّ حـيزومي برمته! ولـيرمني في نيوب البحر أعدامُ "
(أرثور رامبو)
***
(الاغنية مُرهِقة، إيقاع متناثر في بادئ اللحن..موسيقي مترددة، ثم لهج ينزف. يزف الذاكرة!! ذكريات حزينة تبدأ في الصعود للروح، ببطئ عروس لعثم المجهول خطوتها..فجأة يتحول الإيقاع لأخر بهيج. مفسحاً المجال للذكريات السعيدة، فتبتسم الروح..ليتراقص الأمل شعاعاً من التفاؤل..تندمج الذكريات السعيدة بالاخري الحزينة فيتولد الشجن بشكله السامي.. لذا لم يكن هناك مناص من تسمية الاغنية بشجن)
كان هو تعقيبي وقتها، تعقيب ساذج. لم اكن ادرك أنه سيناريو سيكتب على الإنصهار والتوحد في تفاصيله. سيناريو بائِس سيأخذ من عمري عمراً اضافياً لاتعافي منه، الصدفة. الكلمة التي حذفتها قديماً من قاموسي الداخلي وأيدلوجيتي .. تثأر مني ومن إنكاري لها. تتلذذ بوضع المفارقات المؤلمة في طريقي!! .. لكني أصر على أن الحياة خالية من الصدف، والصدفة ما هي إلا تواطؤ قدري معين، و على ذات نسج النول، لم يكن لقائنا حينها مجرد صدفة، كان ترتيباً قدرياً قُدر له ان يكون..كما كان فراقنا ترتيب اخر.. ترتيب فقدت لإثره دفة توازني مع ذاتي، فانكفأت روحي في داخلي كصدفة كلسها الألم فتراكم الحزن والشجن وصدأ الاحساس.
" ما حيلةُ العبدِ والأقدارُ جاريةُ علىه في كل حالٍ ايها الرائي؟
ألقاهُ في اليم مكتوفاً وقال لـهُ: إيــــاك أياك ان تبتل بالماءِ" !
(الحلاج)
***
وما كان لليل أن يفارقني. محاولات مستميتة لشحذ البصر في ظلام خلفته داخلي. رؤية متعثرة لثراب آمل ظامئ للإنعتاق. بقعة من ضؤ خافت مستلقي في عتمة الحواس، يا ألهيد. متعبة العينين أنا من رؤية هذا العالم المخفي تحت انقاض الكره والنزف والغثيان والدماء المخثرة داخل أوعية الوعي الشخصي. الملتاث بلوثة حب الفرد لأناه الخاصة. متعبة العينين أنا من كل هذا الزيف الدامي. سقراط !! يا صديقي العبقري حقاً ما الحياة سوى مرض عضال. وإمتناناً مأسوفاً لأسليبيوس الذي هداك الموت وحاك الحكمة علىه وكما قال نيتشة. "لعل الحكمة لا تظهر على الارض إلا على هيئة غراب يهيجه عفن جيفة مكتوم"!.
***
اليوم..جلست على حواف الماضي،غريبة كالعادة عن كل ما يحيط بي، أستنطق الجرح السائل عله يلعق ندفات ثلوج ألمٍ توهط طريقي..بودلير،يا سيدي المُرهِق.. أناجيك بعد أن إستنفذ العمر مخزونه الأسوي ورصيده المعد سلفاً للمعاناة، أسكب أحرفك الشبقة بآلامك لأفض عذرية البياض الموحش، أقدم قرابين الإنتماء لوطن العبارة لديك. بعد أن أقحمتُ نفسي بنفسي في شِباك منفي اللغة وفقدان هويتها. ما أقسي أن تفطمك اللغة على صغر، فتتغذي على حليب أُعتصر من أثداء متعطشة، بأيدي كانت المتعة صبوتها، بشفاه كانت الشهوة غايتها، بدلاً عن فم رضيع كان الجوع دافعه، إن لغتي لمنفاي، ووجودي غربتي، ونفسي ضريحُ وُضِعتُ فيه.
ما أقسي كل هذا..
"إن نفسي قبر أطوّف فيه وأقيم منذ الازل بثياب راهب ضال-بودلير".
هي غربتي الذاتية أذاً، هي غربة الانسان الوجودية التي تهبط معه من الرحم.. لتمتد على شساع عمر الفرد، أذكر جيداً حديثنا الأول والذي كان حول الغربة الوجودية والعزلة الاختيارية.. أذكر يومها أني كنت أتحدث عن الغربة الوجودية بإفراط مُنهِك.. وأذكر ايضاً كيفية اندهاشك لسؤالي المفاجئ في بداية حديثنا.. إذا ما كنت انت تعاني من غربة وجودية؟؟ سؤال طرحته يومها في محاولة مني لتعرية تجاعيد حزن سوداء ممتدة على إتساع عينيك، إيجاد تفسير للأسي المضمخ في كل ماله علاقة بك، حركاتك، سكناتك، صمتك، حتى رائحة عطرك لم تسلم من الحزن والأسي والغموض، كل شئ فيك يلهث حزناً..وكعادتي لم انتظر ردك، لأجيب على سؤالي بنفسي :- نعم أنت تعاني من غربة وجودية .. فما كان لإندهاشك حينها إلا وأن تحول لإبتسامة صامتة. دافئة.. نقلت لي عدوي الدهشة بسحرها .. حينها اتفقوا جميعاً!! حاستي السادسة.. بصيرتي الثانية ورؤيتي السابقة.. على أن هذا الجالس أمامي.. سيتوج بأمر الحب.. ملكاً على الروح.
سألتني من بعد عن كيفية إدراكي إذا ما كنت أنت تعاني من غربة وجودية ام لا. أخبرتك أنه احساس بالتواصل بين رفقاء الغربة الوجودية، طلاسم تمكن الفرد الذي يعاني منها بإلتقاط مؤشراتها من الأخر،سألتني أن احدثك أكثر عن تلك الغربة .. غربة الفرد عن النفس..عن الوجود ذاتياً..
فابتسمت أنا بذات الصمت..وما كانت إبتسامتي إلا ثغرة من الزمن لألملم أطراف روحي المسلوبة بحضورك.. قلت لك:- هي حالة متفشية بين البشرية، لكنها متفاوتة..سببها رفض الذات للمثول للسنن التي فُرضت علىها. رغبة الذات في أن تكون أناها من تجاربها المتمخضة عن إحتكاك مالكها بذاته الفطرية وإيجاد إجابة لكل سؤال داخلي يلح على ميلاد معرفة حقيقية بلا رقيب او حسيب، ومن ثم إحتكاكه بالعالم الخارجي لإيجاد ذاته الفردية، نفسه الذاتية، ليست تلك التي فُرضت علىه من المحيط الحولي وتم الباسه لها بعهد مضمخ بالحيرة من الميلاد وحتى الممات..ليكون إمتداد للسابقين‘ ومن هنا تتولد المعاناة ومن هنا تتولد الغربة الوجودية والتي تفضي الي طريقين،اما الأول فهو طرق أبواب البؤس الدامي..حمل الحيرة والمعاناة الشاقة على ظهور إحدودبت من ثقل حملها، فما عادت تقوي على السند،التنقل بين محطات الحياة بالأغترابٍ عنها والهروب الي عالم من الأحلام تسجن فيه الذات نفسها، وتبقي مجرد أمل وهمي لا تمتد اليه جهود إرادية.
اما الثاني فهو السير في طريق التوافق مع الأنا الداخلية بوضوح لا يشوبه شائبة الأنا الجمعية، وضع الذات وجهاً لوجه أمام نفسها .بكشف معدنها غير المصقول لرياء المجتمع والتصرف بحرية كاملة دون خداع.. تعرية أيدولجيتها المُملاة عليها من شفاه الموروثات وموميات الأفكار المحنطة والمعتقدات والأيدولوجية التقليدية على مر العصور.. فتح خزانة قديمة للتخلص من محتويات خاصة جداً..لكنها لم تعد تلزم لا لعلة فيها، بل لأنها لا تشفع للفرد داخل ذاته.. لتحل محلها معتقدات جديدة تولدت عن إحتكاك الأنا المباشر بالعالم.. ..بالطبيعة. بالصواب.. وحتى بالخطأ، فما الخطأ في قواميس الحقيقة إلا باب يفضي إلي الصواب.. حديثي لا يتضمر أن على الفرد التخلي عن كل ما شب عليه وشابوا عليه من قبله ورفضه، لا .. أنا اتحدث عن الموروثات والمعتقدات الخاطئة ومع علمنا أنها خاطئة إلا أن عبودية الفكر ورفض تقبل كل ما لم يكن قديماً يقبع مقرفصاً على التحرر.
إذا نظرنا للغالبية إن لم يكن الأعظمية من المبدعين في التاريخ الكوني.. لوجدناهم عصارة لتجربة الغربة الوجودية الذاتية، غربة الفرد عن الجمع.. ولوجدنا إبداعهم خلاصة لتلك التجارب، عاشوا أناهم الخاصة بعيداً عن سنن المجتمع، بحثوا عن الحقائق لكل معطي يتلبسه الشك.. في عالم بات يتعذر على الفرد فيه أن يميز بين محتواه الداخلي و محتوي الاخر والذي لا يمت له بصلة سوي مشاركته له ذات البيئة او المجتمع.
قاطعتني مستشهداً بنيتشة:- " أتطلّع الي كل ممنوع- تحت هذه العلامة سيكتب النصر لفلسفتي ذات يوم. ذلك ان الحقيقة وحدها هي التي ظلت الي حد اليوم خاضعة جوهرياً للحظر." قلت لك مواصلة:- نعم، .. نيتشة محطم الأصنام كما كان يقول عن نفسه، ذلك المضحي الذي عاني كثيراً داخل غربته النفسية وعندما حاول الافلات منها نجح وأبدع، لكن رفض الجمع ونبذه كان له بالمرصاد..كان المقابل الذي حصده، هو لم يلغ بالاً لكل ذلك وضحي من أجل إبداعه،وجاء زرادشت،وقال من خلاله كل ما كان يلهج به فكره، فقابلوه برفض أشدّ قسوة من الأول.
صمت قليلاً ثم قلت: التضحية هي ضريبة الخروج إلي الإبداع..أن تكون مبدعاً ذلك يعني أن تكون مضحيا ً..أن تقدم نفسك كبش فداء لنبذ المجتمع، أن تعرضها للنفي والرفض بل أحياناً القتل والصلب.. لا لعلة او خطأ إرتكبته بل لرفضك دائرة التناسخ الفكري والتقليدي المتبع.
قلت تأكيداً لك:صحيح، وهم ضحايا البشرية وغصة في حلقها.. إبتداء بالرسل الكرام..وانتهاء بالمفكرين والفلاسفة،الأدباء والشعراء، منهم من لم يعاني من غربة النفس والذات، لكنه عاني من رفض الجمع له ونبذه لأرائه والتي هي مراحل متقدمة من سلسلة الشك والحيرة والقلل الدائم، كم من مبدع مضغته الحياة بأسنان لا ترحم ولفظه المجتمع من بين أفواه لا تنطق إلا الضباب والرياء؟.
نيتشه، برتراند رسل، كافارني، غوتة، لوركا، رامبو، الحلاج، بودلير، البير كامو، سقراط، فيرنادسكي، محمود محمد طه، بن عربي، سبينوزا،التجاني يوسف بشير، بيارلرو، كونفوشيوس، المتنبي، برنارد شو، ديكارت، كوبر يفيتش، شوبنهور، جوتيه، خورخي جيين.. وأخرون كُثر مهما اختلفت الاراء عبر ثُلاثِيات الزمن على ما نضح به ابداعهم وصداه داخل نفس كل منا ذلك لا ينفي مدي معاناتهم وحالة الترحال الدائم داخلياً، حتى بوذا والذي لم يقدم للبشرية سوي الحب والرحمة والحكمة.. مهلاً.. لماذا الذهاب بعيداً، حتى انت لم تسلم من رفض المجتمع ومحاولاته المستميتة لإغتيال أفكارك ووئد بناتها.
انتشلتني من حالة البؤس التي محورتني بنظرة لعثمت حزني وجردت ألمي .. سألتك لماذا صمتك؟ اجبتني :- بوذا.. تلك الروح الشفيفة.. او تعلمين ان مغزي الحياة وفقاً لتصورات بوذا يكمن في الارتقاء والكمال الذاتي،الاخلاقي،النفسي والروحي..والهدف الاساسي للارتقاء الروحي الذاتي هو الوصول لوضعية يتقبل من خلالها الإنسان الآخرين بل كل ما هو حي في العالم كما يتقبل ذاته نفسها ‘ اين نحن من كل ذلك؟.
أجبتك بأسي وبإبتسامة شاحبة:- الإسلام،المسيحية واليهودية بل حتى الديانات غير السماوية كالهندوسية والكونفوشيوسة وجميع العقائد سواء أن كانت تجسيدية او ثالوثية تلهج بذات النهج، الإنسان هو من ضل عن كل ذلك متدحرجاً داخل حبه لأناه الخاصة، قاصياً كل من له حق الحياة من تفكيره، حقاً وكما قِال أيفانوف" أن الانسان كائن في حالة تأزمية " .
ثم استطردت قائلة:- اَو تعلم إن الإطلاع وتملك المعرفة ايضاً تضحية كبيرة،مصنع أخرلإنتاج غربتنا الوجودية،صراع اخر بين الشك والتشكك أو حتى الجنون في أحيان كثيرة. كم من مطلع مدرك حمله إطلاعه على بساط الشك والتشكك إلي مقر الجنون، حالات كثيرة موجودة في العالم بل حتى في نطاقنا المحدد بجغرافية الوطن، أذكر أية في سفر التبشير حملت نفس المعني تقول:
"The more you know, the more it hurts;
The more you understand, the more you suffer".
{Ecclesiastes 1 V 18}
قلت لي مستشهداً بنيتشة مرة اخري " أي قدر من الحقيقة يستطيع عقل ان يتحمل؟؟ وإلي أي حد من الحقيقة يجرؤ عقل على المضي". أجبتك مبتسمة وقال ايضاً" حتى اشجعنا نادراً ما يملك شجاعة تحمل كل ما يعلم". صمتَ قليلاً وواصلت قائلاً :- ولكن اليس الجنون يعني الإفلات من طوق الرهبة والحرج..النطق بكامل المصداقية بما يجوب في الدواخل و يعتليها!؟
قلت لك مداعبة:- مرحي ثم مرحي بالجنون إذاً.
إتسعت قلوبنا بأبتسامة ركضت بنا إلي حميمية الصمت..أُعتقلت الكلمات بيننا،تلاقت أعيننا لتلثم أرواحنا بقبلات إشتهتها شفاهنا وتشعل حواسِنا بجنون أستنكره العقل قبل المجتمع، تدحرج الحب مداعباً لقلوب جفت من الظمأ الوحدة، وروح رهقت الشقاء.. حديث أخفاه اللسان..ولهج به الأحساس.. نفوس تشابهت في محتواها وقلوب تآلفت على وعد من الحب.
سألتك بنية التحرر من عبودية الحواس والتخلص من وطأته :- حدثني عنك. قلت ملتقطاً بصرك من على وجهي :- ماذا أقول..فأنت تعلمين حتى ما أجهله انا عن نفسي.. نظرت الي مطولاً وتابعت :- كيف تملكين كل هذا ؟ بل كيف تتحملين مسؤلية تملك كل هذا؟.
أجبتك بأستفهام آخر:- ماذا تقصد؟
قلت لي من بعد صمت:- أعترف أنني أحاذر أن أبدي إعجابي بالبحر في عينيك وكم النوارس التي تحط على شاطئه لحظة مغامرة فاتنة، الحزن المتمدد في عينيك يخيفني أخاف جداً أن أسبح فيه، أن أمسه وتتشربه مسامي، أنتِ موغلة في الدهشة، جميلة وعميقة جداً، لك من الحضور سحره الطاغي. تتحدثين عني كما لو أن العمر أوجدنا معاً منذ بداياته، مع أن معرفتنا لم يمضي عليها من الأيام سبع،، تتحدثين بخلفية من يمتلك خبرة مدادها العمر، مع أن العمر لم يمكث سوي عقدين من الزمان ونصفه بجوارك.. كيف تتحملين تملك كل هذا؟
اعترتني موجة من مشاعر لم اجد لها اسماً في حواري الداخلي،فقدت من تأثيرها دفة توازني مع المحيط الحولي وجدت صوتي يخرج واهناً، متشرنقاً بحبال مشاعري المضطربة قلت لك: بالتجاهل ! أتحمله بتجاهله،نشأت في عائلة ملكتني المفاهيم بشفافية الحقيقة وليس الخوف منها نشأت بمفهوم بودليري مفاده"ما يهم ما تستطيع أن تكون الحقيقة الموضوعة خارج نفسي أذا هي ساعدتني على أن أعيش و أن أشعر إني موجود ومن أنا"، نشأت في عائلة نعمت أظافري على ترتيب صحيح للجانب الجندري في أجندتي الداخلية، نشأت بمفهوم أن الرجل والمرأة فرق الخالق بينهما في تفاصيل الجسد ووظائفه، ولكن لم يفرق بينهما في قدرات الخير والعاطفة والأنسانية، فرق الله بينهما في مقدرة العطاء والأخذ والتحمل، ولكنه لن يفرق بينهما في الجزاء الأخير والذي يثاب المخلوق بموجبه عن حسناته ويحاسب على سيئاته يوم الحساب الأعظم، للأسف كل شئ في مجتمعاتنا رهين للعادات والتقاليد، حتى الدين مُحور ليخدم المعتقدات والموروثات.
برهة صمتٍ عبرت بيننا،هل كنت تدرك مسبقاً أن الصمت يشعلني، والغموض يوقظ حواسي، والألم يستجدي روحي وأنني ضعيفة جداً في مواجهة النقاء، يا إلهي. يرهقوني أنقياء الروح، يشعلون حواسي قناديل في عوالمهم الخالدة.. ينفطر قلبي عند عبورهم الصامت للحياة، كنت أخشي عليك العبور الصامت، محملاً بهزائم الأرض، وألآم البشرية، لم أكن ادرك حينها أن جرح الأنقياء دامي، موغل في الروح،لا يمكننا تجاوزه بإسدال الستار على الماضي، لم أكن أُدرك أن النقاء مثله مثل الحياة والموت والحب يحمل أكثر من قناع وأكثر من معني، لم أكن أُدرك أن عمق الأنقياء وحل من التناقضات، لم أكن أدرك أن قلبك كان يتربص بالنسيان قبل الحب، اليوم يمكنني إختصار قصتنا بعبارة للويس ثرنودا كإرضاء أخير لذكراك،أنا التي لم يعتريني قلق تجاه إعجابك بكل ما لهج به نهج ثرنودا،قد كنا يوماً الغضب الذي يشيع فيه لون الحب. الحب الذي يشيع فيه لون النسيان.
سألتك مرة أخري:حدثني عنك؟؟
أجبتني مستجيباً بتنهيدة متقطعة بأمر شهوة لم تغادر إلي حيث :-
أنا رجل يعيش على حواف الماء الزلقة ولا يرتوي، يغتسل تحت المطر الاستوائي ولا يحاذر الصواعق، يعب من رحيق الحياة حتى ثمالة الوجع.. الحياة تسير امامي بصمت مستفز وخطوات قصيرة مقتضبة. غربتي النفسية صليب سمرت علىه وإطلاعي ومحاولاتي لتملك الحقيقة لم يرفعاني من على هذا الصليب بل على العكس..مازلت ابحث عن حريتي الكاملة بعيداً عن الاستلاب الفكري الحولي.
قلت لك بسزاجة متعاطفة:- هل الحرية تتجزأ عندك ؟
اجبتي بأبتسامة متزنة.. الحرية لا تتجزأ ولكنها تحكم بقوانين داخلية قوانين تكونت من قناعاتي الخاصة .. ومدي إستيعابي لمفاهيم الخطأ والصواب.. بعيداً عن مفاهيم غيابية و(تابوهات) يعد النظر اليها محرماَ ناهيكِ عن الحديث والخوض فيها.
قلت لك بإصرار:- أنت لم تصمت وقفت صامداً ضد شلل الإرادة المهيمن والخطوط العرجاء،في وقت كان فيه الجميع يلتهم الحياة بشراهة من ينتقم مِن العدم، وينخب كأسها في مدائن الأسف.
رددت بصوت غائب عبارة لوتريامون الشهيرة"مقدسة هي القوة..لزام على الإنسان أن ينقش آثره بعنف على تصاميمه الجريئة، فالقوة هي التي تمسك بمفاتيح الفراديس و تدير أبوابها بقبضتها الفيحاء "
ثم واصلت فارداً ذراعيك على طول الأمل :لكي تظل حراً لا بد من اغتيال القيود،الحرية تنضج وتتكاثر تحت عبأ الظلم وركام الإضطِهاد والذل وتَقَيُؤ الجوع والحرمان.. التفاؤل اللفظي مهما ارتفع جناحه لا يحلق بنا. وأنا اريد التحليق عالياً!
***
إفترقنا يومها بعد أن رفعنا الأرض بالشفقة. وملئنا جوفيّنا بالصبر والسلوان وحسن العزاء. ونخبنا الحياة في كأس الرثاء والحداد، إفترقنا على وعد اللقاء في اليوم التالي. وتوالت اللقاءات، كانت المدينة تحتفي بنا على طريقتها المجنونة..ونهر التيمز يستضيفنا على مقاهي شاطئه الجنوبي، ألتقينا العم بيسا فيرس..عازف الجيتار الأفريقي العجوز.. ونهلنا من عزفه.. ومن حنانه الافريقي وتعطشه لأبوة حال مفهوم حرية الفرد الخاطئ في المجتمعات الغربية بينه وبين ممارستها، كان يستقبل خطوات المارة بأغنيات تخرج من بين شفتيه بمتعة من يقبل أنثي.. حبيبة.. مقابل حفنة من العملات المعدنية يلقونها بجواره، وكان يستقبل خطواتنا المتلهفة بأبتسامة واغنية (One love) لمارلي بعد أن أدرك أنها المفضلة لدي، لتبدأ خطواتك بالرقص على ايقاعي الداخلي. كنت تعشق الرقص،كان يحمل لك أكثر من معني وأكثر من تعبير عن حالة،كنت عاشقاً للشعوب التي تمتهن الرقص كطريقة مبتهجة للتعبير عن أحزانها وأحلامها التي صابها الخمول فما أستطاعت له تحقيقا.
وإستمرت اللقاءات،عبرنا الجسور المعلقة على النهر، حفاه إلا من الجنون وحنين كان قد سبق وخبأته منا السنين. نقلت لك عدوي بريفير، لفرلين، لأوديبرتي، بن جلون، الفارابي، وليم موير، بالمر، أنسي الحاج، كافارني سيد المأساة وأبيها الشرعي، لامارك وداروين، عروة بن الورد، قورمول يوني بينقو وموسيقي الفلامينكوا انابيل سنتياغو وإستريلا مورينتيه وبوكا، نقلت لك عدوي شعراء الفرنكوفونية من خوري غاتا حتى ستيتيه مروراً بسيزير وفرهارين، ونقلت لي عدوي شلير ماخر، ميلان كونديرا، لاروشفوكو، روسلو، كلانسييه، غليسان، ميشيل فوكو، نيكلسون، نيكوس، أغناطيوس وسان ميلا، لرونسار، هيغل، الفيتوري، بن حزم الأندلسي والنفري، وإتفقنا في حب بوذا، مانديلا، غاندي، لوركا، نيرودا، صلاح أحمد ابراهيم، ماك تاجارت، برشت، كروبوتكين، ستروس، زوربا، الفريد دي موسيه ورحلات جالليفر، غوتة وفاوست دراما الانسان العقلي الذي يختنق داخل غرف الوعي الشخصي، ويتمان الذي بحث عن عزلته في نيويورك حتى إرتبط إسمها بموته، بن عربي، محمود درويش والجدارية رحلة الذهاب للموت والعودة للكتابة عنه، الحلاج ولوتريامون،إتفقنا في حب النور الجيلاني ومصطفي سيد احمد، فيروز، مارلي وموسيقي الريقي، موزارت والاوبرا، إتفقنا في عشق أفريقيا وإثيوبيا، تيدي أفرو وتيزيتا وجاه يستاسريال، أستير اويك و(الدنيا ليل غربة ومطر) والجنون و. و. و(من ياتو قاسم مشترك) .
ثروت همّت/كاتبة سودانية
الاثنين، 18 مايو 2009
شروط مسابقة جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي

1. يحق لأي روائي سوداني أو روائية سودانية من مختلف الأجيال أن يتقدم إلى نيل هذه الجائزة، شريطة أن يكون العمل الروائي المقدم للمسابقة لم يسبق له أن طبع في كتاب أو نشر جزء منه في أي وسيلة من وسائل النشر أو فاز في مسابقة مشابهة.
2. يجب ألا يقل عدد صفحات الرواية المشاركة عن 100 (مائة) صفحة من الحجم A4 حوالي (20,000) عشرين ألف كلمة.
3. لا يحق لمن فاز بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي التقدم للمسابقة، إلا بعد مضي خمسة أعوام من تاريخ نيله للجائزة.
4. ترفق الأعمال بالاسم الكامل للمتسابق والعنوان البريدي ورقم الهاتف.
5. ترسل الأعمال مطبوعة بحرف مقروء (عدد ثلاث نسخ) بالبريد المسجل إلى العنوان التالي: مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي – ص ب 1865 الرمز البريدي 14411 أم درمان – السودان، أو تسليمها مباشرة إلى سكرتارية الجائزة ( مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأم درمان – حي العمدة شرق – غرب صينية الدومة).
6. آخر موعد لتسليم الأعمال الروائية 25 يوينو 2009م.
7. تشكل لجنة من محكمين من ذوي الاختصاص لقراءة الأعمال الروائية واختيار الرواية الفائزة ويكون قرار اللجنة نهائياً، كما يحق لها حجب الجائزة إذا لم يتوفر المستوى المطلوب.
8. سكرتارية الجائزة غير ملزمة بإعادة الأعمال الروائية المشاركة إلى أصحابها.
9. يعلن عن الرواية الفائزة في 21 أكتوبر 2009م.
10. قيمة الجائزة 5,000 ج (فقط خمسة ألف جنيه سوداني لا غير).
11. يحق لمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي نشر الرواية الفائزة بما يحفظ حقوق المؤلف.
الجمعة، 8 مايو 2009
اللغة العربية وتابو القداسة
الكلام عن اللغة هو كلام عن الثقافة الشعبية لحقبة تاريخية محددة، وتأتي اللغة لتعبّر عن هذه الحقبة التاريخية بشكل ثقافي ولفظي سواء كان ذلك بطريقة منطوقة أو مكتوبة. وإلى هذا الحد، نجد أن هنالك نوعان من اللغة العربية المستخدمة حالياً هما: لغة القواعد، ولغة الخطابة أو اللغة اليومية. هذا التفريق هو في الحقيقة تفريق أكاديمي صرف، إذ أن هذين النوعين في حقيقتهما يُعبران عن قطيعة بين اللغة وبين مستخدميها. حيث أن اللغة المهجورة هي اللغة الفصحى، واللغة المستعلية هي لغة الخطابة أو اللغة اليومية.
في حقبة ما سابقة كانت اللغة الفصحى هي لغة قواعدية ولغة خطابة ولغة كتابة، دون أن يُمكننا الفصل بينهما، ولكن هل يُمكن أن ينطبق ذلك على اللغة المستخدمة اليوم؟ إذا قلنا (لا)، وهذا هو الواضح، فإن هنالك قطعية حاصلة بين اللغة العربية وبين مستخدميها، ويبقى السؤال عن مسببات هذه القطيعة غير مهم على أية حال، لأنه لا يُفضي إلى نتيجة مقنعة، وبالتالي فإنه لا يُساعد على حل المشكلة، هذا إذا اعتبرنا أن هذه القطيعة هي مشكلة في حدّ ذاتها.
إن ظاهرة طغيان اللهجات المحكية أو العامية على اللغة الفصحى في التداول الشعبي اليومي، هو في الحقيقة حتمية تاريخية حدثت بسبب خلل ما في اللغة نفسها من ناحية، وفي مستخدميها من ناحية أخرى. فمستخدمو اللغة واقعون تحت تأثير أزمة اللغة، وواقعون تحت تأثير حداثة التاريخ وحركته من ناحية أخرى. تصبح اللغة في ظل هذه القطيعة منفصلة عن حركة التاريخ، لأن الفصحى ظلت بعيدة عن هذه الحركة؛ بينما اللغة بمفهومها التاريخي الحيوي تمثل في اللهجات المحكية.
إلى هذا الحد يُمكننا أن نقول بأن اللغة انقسمت على نفسها، فأصبحت هنالك لغة مهنية أو أكاديمية، وهنالك لغة شعبية. كذلك يُمكننا القول بأن قداسة اللغة العربية هي ما منعتها من الذوبان والاضمحلال؛ وهذه نقطة بالغة الأهمية لأنها تطرح تساؤلاً مفاده: هل يُمكن أن نعتبر اللهجات العامية جزءاً من اللغة العربية أم لا؟ الإجابة على هذا السؤال ليس ببساطة استخدام اللهجات المحكية أو العامية على الإطلاق، لأن اللغة تتضمن مقاطع وتعبيرات تجعلها متميزة عن غيرها من بقية اللغات، وبالتالي تجعلها صالحة لأن تكون لغة في حدّ ذاتها، وهذا ما نجده في اللهجات المحكية مثلاً.
إن اشتقاق أو نحت بعض المصطلحات أو التعبيرات الثقافية الموجود في كل لهجة محكية على حدا باللغة الفصحى لا يعني بالضرورة ارتباطها بها، لأنه –وفي المقابل- نجد بعض الاشتقاقات أو النحوت القائمة بين لغتين مختلفتين. وعلى هذا فإن المعنى الثقافي لكل من (زول) و (زلمة) و (جدع) مثلاً لا تعبران عن المحتوى الثقافي اللغوي للغة العربية رغم أنها قد تكون مشتقة عنها، ولكنها غير مرتبطة بها بالضرورة؛ إذ أنها مرتبطة بالمحتوي الثقافي والبيئية لمستخدمي هذه اللهجات.
ولذا فإن التحدّث والكتابة باللغة الفصحى هما ضرب من الفزلكة، أو النفاق اللغوي؛ إذ أنه من غير المعقول أن أكتب بلغة قواعدية معيّنة، في حين أنني لا أستخدم هذه اللغة في معاملاتي الإنسانية الأخرى، وإن لم تكن اللغة مكتسبة لطابع الحيوية التعبيرية بما يكفي لاستخدامها في الإطار الزماني والمكاني المحددين، فإن ذلك يُوحي إلينا بأن ثمة خللاً ما: إما فيها أو في مستخدميها.
إن عدم اعترافنا بفناء اللغة العربية نابع في الحقيقة من ارتباط هذه اللغة بشيء مقدس وهو القرآن، ولكي نفهم أبعاد هذه المعضلة اللغوي يجب علينا تفكيك هذا الارتباط، أو بمعنى آخر، يجب علينا حلّ اللغة من قداستها لنفهم ما إذا كانت اللغة بعد ذلك قادرة على الاستمرار أم لا. أقول ذلك وأنا أعلم تمام العلم مدى خطورة هذا القول، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا، من خدم الآخر الخطاب القرآني أم اللغة العربية؟ فمن المعلوم أن اللغة أقدم تاريخياً من الخطاب القرآني، وظلّت مكتسبة لهذا الرونق وهذا التميّز حتى قبل القرآن، ونزول القرآن باللغة العربية لا يُعد من قبيل تشريف أيّهما على الآخر على الإطلاق.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ارتباط اللغة العربية بالقرآن –في اعتقادي- ساهم كثيراً في تكبيلها بسلاسل القداسة، ما جعلها غير قادرة على التطوّر وبالتالي مواكبة تغيّرات العصر والتاريخ الذي هو أساس اللغة الحيوية، ولذا فإننا نجد أن إنسان "العصر" قد قاطع اللغة بشكل تلقائي غير متعمّد، لأن القداسة لا تفهم معنى التاريخ وحركته. وهذه القطيعة في الحقيقة كانت في مصلحة الإنسان على حساب اللغة، وهذا ما جعل اللغة تنقسم على نفسها بكل لون حسب الثقافة البيئة المحددة لها، وحسب حركة الإنسان المستخدم لهذه اللغة داخل هذا الإطار الثقافي الاجتماعي.
اللغة العربية فنيت تماماً، وظلّت -بسبب هذا الارتباط القداسي، أو المقدس- قابعة في كتب النحو، وأرشيف المتاحف اللغوية محصورة في استخدامها على فزلكات لا تعبّر إلا عن هذه القطيعة: سواء في كتابتنا أو محادثاتنا النخبوية التي لا تُعبّر عن واقعنا الحياتي. وعندما أقول نخبوية فهذا يعني تمييزاً لا يُحسب للغة ولا لمستخدميها على الإطلاق، وإنما هو خصم على رصيدهما معاً.
إن لغات بائدة مثل السنسكريتية والأكادية والمؤابية والآرامية هي لغات موجودة حتى الآن، ولكنها ليست حيّة، بمعنى أنها غير مستخدمة استخداماً يُمكن على ضوئه أن يُقال عنها أنها (لغة)، وهذا هو ما يحدث مع اللغة العربية؛ فوجود اللغة لا يعني حيويتها على الإطلاق؛ فاللغة يجب أن تُعبّر الوقائع الحياتية وإلا فهي ميتة، وما يحدث مع اللغة العربية الآن أنها ترقد بسلام في غرفة الإنعاش ونحاول أن نُكسبها الخلود الذي لا تستحقه. وليست هنالك لغة على ظهر هذا الكوكب تستحق الخلود، لأن الخلود في بعض جوانبه يعني الجمود ويُناقض سُنّة الحياة القائمة على التغيّر والتطوّر.
الثلاثاء، 5 مايو 2009
بين الاغتراب والعزلة
قصة (العزلة) للكاتبة صباح بابكر إبراهيم سنهوري، تتناول قصة شاب استيقظ ذات يوم ليجد نفسه وحيداً في مكان غريب، ظلّ يبحث عن أحياء في القرية فلم يجد موضوع الاستئناس بالغير، بصرف النظر عن كينونة هذا الغير كانت الثيمة الأكثر وضوحاً في النص. اعتمدت الكاتب في قصتها على أسلوب السرد المتسلسل زمانياً، مستخدمة ضمير المتكلم (أنا) والذي أفاد كثيراً لاسيما في نهايات القصة.
اكتسبت القصة رونقها الحقيقي (كما أرى) في نهايتها؛ ولابد أنّ الكاتبة تعرف تماماً ما تعنيه حداثة الأجناس الأدبية فالنص تمت معالجته بسريالية، بحيث عنى انقسام الذات إحدى الحلول المتفرّدة للبطل في اكتساب الآخر الذي هو نفسه. كانت تلك فكرة عبقرية، وتظهر عبقرية الفكرة أكثر في عدم توافق هذه الذات مع الذات المنقسمة أو المتخيّلة، مما يعني أن البطل يُعاني من عدم تصالح مع نفسه.
إحدى أهم الحوارات الداخلية الموجودة في النص يتمثل في الحوار بين الذات والذات الأخرى، وتحديداً تلك الجملة التي تقول: " ولكنك تخليت بالفعل عندما أوجدتنى، لذا لا أظن أنه من الصعب عليك التخلى عن الطاولة هى جزء منى، أمى وأبى وأهلى والبقية الطاولة أنا. أنت لست سوي وهو، لست سوي صورتى المنعكسة من على زجاجات الخمر المعتق". لتُعطينا صورة للطاولة الرمز حيث هي الانتماء من ناحية والأنا الأصيلة من ناحية أخرى.
وللبحث في حميمية هذه العلاقة بين الذات وبين رمزية الطاولة، قد نلجأ إلى التكهّن ببعض التعابير المشتقة من النص نفسه فالطاولة هي أولى الأشياء التي تعرّف إليها البطل منذ لحظة استفاقته، وهي "الكائن" الوحيد الذي احتواه في تلك الغربة بكل أبعادها "أضلاعها" الأربع.
نجحت الكاتبة في تلبّس الحالة الوجدانية (الاغتراب) لدى البطل، ونقله إلى القارئ عبر تقنية التأكيدات اللفظية من قبيل: "الجو حار، حار جداً وخانق" التي تكررت في النص، وكذلك: " أنا الان كائن أخضر، صغير، حقير ، تافه لزج، بدائي، وحيد الخلية لدى عينان كبيرتان هلاميتان مقززتان أحملق بهما يمنة ويسرى دوت أن التفت. أغمضهما تارة، وأفتحهما أخرى، بترتيب منتظم". التي تكررت –كذلك- داخل النص. كما أن استخدامها لتعبير غياب اللغة كان له تأثير فني عميق في تضخيم حالة الاغتراب هذه.
ظلّ البطل يبحث عن "كائن" يكسر وحشة الغربة التي يشعر بها؛ ولكنه لم يعلم إلاّ مؤخراً أن ما كان يشعر به ما هو إلا شعور بالاغتراب وليس الوحدة، وبالتالي فإنني أرى أن الكاتبة لم تكن موفقة إلى حد بعيد في استخدام "عزلة" كعنوان لهذه القصة؛ إذ أن "اغتراب" كان من الممكن أن يكون أقرب العناوين مطابقة لروح النص وفكرته الأساسية.
من الأشياء التي ولّدت داخلي مجموعة من التساؤلات هو احتفاء الكاتبة بالتفاصيل في غير ما حاجة إليها كإغراقها في وصف الصالة: عدد الأبواب والنوافذ، عدد الأضلاع ووضعية النوافذ والأبواب من هذه الأضلاع إذ لم أر أن هذه الوصوفات قد خدمت النص في شيء على الإطلاق. كذلك الحديث عن الصندوق الذي يحتوي قنينة الخمر، واللبس الذي وقعت فيه الكاتبة إذ تبدأ حديثها بالقول:
"والآن ترى أين وضعت الصندوق؟! إنه بالخارج حتماً"
ثم تعود مرّة أخرى لتقول:
"هاهو الصندوق قابع بالقرب من الباب، لست أدري من اين اتى، كل الذى أعلمه أنه، منذ أن بدأت الملم أطرافى، رأيت هذا الصندوق"
إذن فالصندوق لم يكن بالخارج، كما أن سؤال البطل عن الصندوق في الجملة الأولى، يُوحي بأنه كان على علم بأمر الصندوق من قبل، وعليه فإن جملة مثل "لست أدري من أين أتى" تُدخل القارئ في لبس وإرباك من غير داع يُذكر وإذا كان البطل يتساءل في الجملة الأولى عن المكان الذي وضعَ فيه الصندوق، فهذا ينسف جملته التالية التي تقول: "كل الذي أعلمه أنه منذ أن بدأت ألملم أطرافي رأيت الصندوق" فإذا كان قد رأى الصندوق منذ استفاقته؛ فلماذا السؤال؟ وما الحوجة إلى هذه الأسطر على العموم؟
في إحدى مقاطع النص فوّتت الكاتبة استخدام تقنية التضاؤل، الذي استخدمته بصورة عشوائية غير مرتبة إذ تقول:
"وحدى أنا فى الصالة، وحدى أنا على الطاولة، وحدى أنا فى البلدة، وحدى أنا من لا يشتهيه الموت"
وكان من الأفضل والأجمل فنياً أن تقول:
"وحدة أنا في البلدة، وحدة أن في الصالة، وحدي أنا على الطاولة، وحدي أنا من لا يشتهيه الموت" هذا الترتيب التضاؤلي كان من شأنه أن يطفي لمسة جمالية على الجملة، ويشي –في ذات الوقت- بجو الاغتراب الذي يعني الغرق إلى الداخل وهو ما يوحي به الجو العام في النص.
أكثر الأشياء التي لفتت انتباهي في القصة، احتواؤها على أخطاء نحوية وإملائية كثيرة جداً، وقبل أن أقف على بعض هذه الأخطاء يجب علينا أن نتساءل عن اشتراطات لجنة التحكيم المسئولة عن "مسابقة الطيب صالح للقصة القصيرة" ومدى التزامها بسلامة النصوص من الأخطاء ومقاربتها إلى الصحّة؛ إذ تكون هذه الأخطاء في كثير من المسابقات المماثلة سبباً في استبعاد العديد من النصوص التي لا تلتزم بسلامة اللغة من الأخطاء من هذا النوع.
الأخطاء النحوية:
الخطأ: " فى الضلعان القصيران توجد نافذتان بحيث يكون الباب بينهما"
الصواب: "في الضلعين القصيرين توجد نافذتان بحيث يكون الباب بينهما"
الخطأ: "وفى الضلعان الطويلان توجد نافذتان يسار الباب واثنتان عن يمينه"
الصواب: "وفي الضلعين الطويلين نوجد نافذتان يسار الباب .."
الخطأ: " لم يعد هذا الخمر يجدى نفعاًَ"
الصواب: "لم تعد هذه الخمر تجدي نفعاً"
الخطأ: " أتمنى الآن أن يظهر أمامى كائن من كان، إنساناً حيواناً سواء كان ذلك الحيوان مستأنساً أو خطراً"
الصواب: "أتمنى الآن أن يظهر أمامي كائن من كان: إنسانٌ أو حيوانُ ..."
الخطأ: "دخلت إلى أحد المنازل"
الصواب: "دخلتُ إحدى المنازل"
الخطأ: " ما هذا الشئ هناك"
الصواب: "ما ذلك الشيء هناك"
الخطأ: " ليتهم يصفونى بالجنون"
الصواب: ليتهم يصفونني بالجنون"
الخطأ: "تلك النملة النحيلة، والتى تمتلك حاسة الشم الأقوى فى مملكتهم"
الصواب: "تلك النملة النحيلة التي تمتلك حاسة الشم الأقوى في مملكتها"
جمل غير مفهومة:
"البلدة خالية تماماً، إلا من صوت أفكارى الشاردة منى حتى الغصب"
" سأنادى بأعلى صوتى على بعضهم يستيقظ"
" يكفينى أن أقول(علة) يستيقيظ حسن سأنادى"
" هل هذا أننى أخاف من أن يسمع أسرارى أحد؟"
" لو كنت تذكرت أن الناس تتجمهر، لتنصَّت إلى من يُحدِّث نفسه ليتناقلوا حديثه فيما بينهم، لتحديث بك لغات الكون وبأعلى درجة أملكها من الصوت"
" أخذت العسل وخرجت به إلى الطريق إنها مُحَكَمَة القفل" الضمير "ها" في "إنها" عائد إلى اسم متقدم يظهر في الجملة التالية وهي "العلبة" ولا يجوز استخدام الضمير دون وجود ما يعود عليه قبله.
" جيد، هذه الرقعة تكفى أنتهى العسل" أية رقعة؟
تغاضيت فيما سبق عن الأخطاء الإملائية المتوفرة بكثرة في النص، وكذلك الأخطاء القرائية الناجمة عن سوء استخدام أو إهمال علامات الترقيم بشكل جيّد. وأتمنى من لجنة التحكيم إعادة النظر في شرط سلامة اللغة لأن هذا الشرط هام جداً فيما يتعلق بالكتابة الإبداعية والأدبية بشكل خاص، كما أتمنى من الكاتبة أن تعتاد مراجعة نصوصها قبل نشرها فهذا جزء من إجادة العمل؛ كما أنّ سلامة اللغة جزء لا يتجزأ من جمالية النص الأدبي.
رياح شمالية

علي نسيان حاجتي الملحة للقهوة.
القهوة التي سقطت على غطاء الطاولة الأصفر،
تاركة بقعة سوداء مخيفة،
تشبه حادثة انحراف قطار في ليلة عاصفة.
في وقت عتمتي،كان عليك أن تكون أكثر قسوة
أو أقل،
لا تنفع القسوة المحايدة لأنها لن تفضي إلى رؤية.
* * *
ليتني أتمكن من نسيان الثقل الذي يحجب العالم،
والحاجة الملحة لإعادة صيانة اللون الأحمر
سأحكي لك عن
الرجل الذي أراه كل يوم
الذي لا أرى وجهه، لأن جمجمته تخيفني.
ترعبني لأني أدقق في شكل عظامها،
صرت أفعل ذلك منذ انشغلت بمعرفة علاقة البشر بالجماجم.
هذا الرجل من أين أتى؟
ولماذا هو هنا؟
شكل جمجمته يبث الرعب بي،وأنا أصر على تأملها كل يوم،مقاربة حجمها،وفصل اللحم عن العظم،تعريتها تماما،ورؤية هيكلها الأصلي.
هذا الرجل وإن بدا لي طيباً في بعض الأحيان،حين لا أنظر إلى جمجمته،إلا أني أنسى فوراً طيبته الوهمية حين أقوم بخلع اللحم الكثيف عن وجنتيه،وذقنه،فيبدو أمامي لحماً بنياً ينساب منه دهن لزج.
الرجل الذي أراقبه، لو عرف أني أراقب جمجمته ، وأعريها،ربما ضغط بإبهام يده عند عنقي كي أفقد قدرتي على النظر. * * *
إحدى ساقي انغرست في بئر،
لا أعرف أي ساق تحديداً
الرياح الشمالية تهدد بقصم جزأي العلوي عن ساقي المغروسة في البئر.
وأنا أحاول التشبث بحافة شجرة الكاوتشوك،
يداي محروقتان،
وقلبي يود الركض بعيداً.
الرياح الشمالية كسرت من قبل إبر الصنوبر
ورؤوس أحلامي،
رمت في وجهي أغصان عتيقة وجافة،حملتها معها من أقصى الشمال
كي تجرح غمازة خدي.
الرياح الشمالية ستأخذ معها نصف إمرأة، قد تنمو أطرافها من جديد
في قطب آخر من الأرض.
* * *
لم أتمكن من تصديق نبؤة صديقتي عن الألم المرتقب.
ولا عن تجمد الجبنة على قطعة البيتزا بعد أقل من ساعة
كما لم أتمكن من رؤية سخافة اللون الوردي إلا بعد ابتعادك عنه
لأنه لون طائش.
مديحنا البائس للورد،لن يخفف من الحقيق
ولا من وقع كلمات قيلت أو كُتبت
التسامح في تقبل حلول الألم لن يلغي وجوده أبداً
صياغتنا لمترادفات عن ذروة الأشياء والحالات،
وحكينا المزعوم عن التشابه بينها
لن يمنع انزلاقنا الموجع عن الحافة
وتكرار المحاولة من جديد
* * *
الوقت
الوقت الذي انسل منا
الوقت الذي نتقبل كل رعوناته مثل ابن مراهق
هو الذي جعلني أتمنى أن أكون نقطة عائمة في الفراغ.
الوقت هو الذي جعل صديقي يحكي لي ونحن نقف على ضفة النهر
عن ماهية الضوء المنبعث من النجوم
عن البريق
عبر المسافات الضوئية الموهومة.
الوقت ...
الوقت....
سيفصلني عنك دائما
لأنني سأظل هنا
لأنك ستظل هناك.
خطوات صغيرة
أسير حافية القدمين،أغلقت الباب عند مغادرتي
لكني أعود فأجده مفتوحاً في كل مرة.
الأرز ينبض على نار هادئة،
قلبي ساخن.
لا أحب الأرز،ولا أعرف لم أطهوه.لكنها سُلطة اللون الأبيض.
حبات قليلة على الأرض تسحبها نملات شجاعات ، لا تخيفها حركة أقدامي الحافية،
أسمع أنين النملات- ضيفاتي المتعبات ـ أحس بارهاق عضلاتهن.... وصوتهن خافت "أوه يا لهذا التعب المستمر".
النمل يحب السكر،لكني سأصرخ بعد قليل على طريقة بطلة فيلم شاهدته :
"لا يوجد حلوى...لا يوجد حلوى"
الماء على الأرض الآن يعني إعصاراً مميتاً، ينهي أحلامهن بنقل حبات الأرز
ماذا أكون أنا؟
في بعض الأحيان ؟ مجرد قاتلة.
* * *
خلال صعودك
مازال عليك أن تمزق الكثير من الحُجب،وأن تمسك صخور الجليد بيديك المتعبتين ،
المتشققتين من أثر برد عتيق،
ستصل في يوم ما.
مازال علي أن أواصل الكتابة قرب نافورة النار،
أنا التي أسكن الماء
علي أن أغسل كفي بين حين وآخر
كي أتنبه.
* * *
كان الطعم سيئاً،
أرز أميركي طويل بنكهة الإعصار
جفاف في يدي
وسخونة الأرض تحت قدمي
ثمة بركان في مكان ما
حممه مدفونة تحت الأرض
كما المطر مدفون في قلبي.
· لنا عبد الرحمن: شاعرة لبنانية مقيمة في القاهرة