السبت، 16 يناير 2010

قراءة في (وليمة لظل اليهودي)


بقلم: سمير خضر خليفة



مدخل:
من خلال قراءتي للنص، وعودة على النص السابق للكاتب (جثة في صرص)؛ المنشور سابقا أرى أن الكاتب مازال يعمل، وبجد على إيصال فكرة معينة بحد ذاتها، ألا وهي البحث عن الهوية. وخلافا للنص السابق الذي قدمت حوله قراءتي من قبل، والذي تحدث من خلاله الكاتب عن المأساة التي يحيياها النوبيين مستندا إلى حقائق تاريخية موغلة في القدم دلت على أصالة هذا المجتمع، وكشفت عن جذوره التاريخية، وحضارته العظيمة و التي رسمت صورته عبر العصور، إلى أحداث حديثة العهد نسبيا (إنشاء بحيرة ناصر). والتي كان لها أثرا سلبيا كبيرا في حالة الشتات التي يحياها النوبيون والتي تحولت إلى حالة من( الفقد) في زمننا الحاضر، وسجلت حينها خلال القراءة ملاحظة حول عبارة وردت في النص كوجه ( ملاك قشتا لي) لان هذا اللقب الذي أطلق على القائد القشتالي الذي حارب المسلمين في الأندلس يحمل في طياته نزعة نازية لاعتماده على ما اسماه تفوق ونقاء العرق القشتالي في حربه ضد المسلمين، و لان هذا القائد مارس أبشع أساليب البطش والقتل والإرهاب والسبي وانتهاك الأعراض والإذلال بحق العرب والمسلمين واعتبره الأسبان بطلا قوميا بالنسبة لهم. فهل إذا حمل الشيطان اسم ملاك يصبح ملاكاً. وعودة لنص (وليمة لظل اليهودي) يقول بلزاك: (كل شيء مزدوج الدلالة في مجال الفكر) ، أي انه يحتمل الضدين لنفس العبارة. استنادا لهذه المقولة أرى أن الكاتب قد كتب نصا فلسفيا أكثر منه نصا أدبيا ، فالنص يحتمل الوجهين في القراءة، وقد بدا اثر الأفكار الاستلابية في النص واضحا على الصعيد الوطني وذلك بفقدان القوة الدافعة إلى التغير واختفاء موقف الكاتب التقويمي من المجتمع فاضطر للجوء إلى الرمز والذي تحول إلى طلاسم،لاستبداله التداعي الفني برمز عاجز عن استثارة الخيال والذي لا يصلح إلا للدلالة على حالات محددة وجوازية مبررا من خلاله حق النوبين بإنشاء امة مستقلة ولو بشريعة القوة تيمنا بما فعله اليهود في فلسطين ، وحاول تبريررايه من خلال جدال فلسفي أفضى إلى تفسير الوقائع والأحداث على هوى الكاتب ورغباته مستعينا برموز ودلالات انتقائية تبريرا لوجهة نظره مخالفا وجهة نظر المنطق وحقيقة العيش المشترك التي بني عليها المجتمع السوداني ، والأسس التي يتم عليها بناء الأمم والقوميات ، إلا إذا أراد الاستناد إلى المبررات التي انتهجتها الدول الأوروبية في مرحلة تثبيت كياناتها الجغرافية وحسب مصالحها استنادا للحجة التي تناسب مصالحها دون الأخذ بالأسس المتعارف عليها مجتمعة (الدين –اللغة – التاريخ المشترك- الإرادة والمصالح المشتركة –الخ ) فإذا كان الغموض احد سمات الإبداع الأدبي لإبعاده عن المباشرة والتقريرية فلا يجب الاستغراق في الرمزية إلى حد يجعله عصيا عن الفهم وإلا أصبح الغموض غاية بحد ذاته. وهذا ما يتبعه بعض الكتاب الحدثاوين.


وارى أن الكاتب استند إلى الحقيقة التي كانت مطلقة فيما مضى ( التاريخ) ، والتي لم تعد معطى صالحا لكل الأزمنة لأنها أصبحت نسبية اعتمادا على الواقع الراهن وهذا لا يعني نفيا لهذه الحقيقة لأنه لا بد لنا من التعامل مع المتغيرات التي طرأت نتيجة القفزات الزمنية والتطور الاجتماعي والإنساني في السياق التاريخي للمجتمع والأفراد وتأثرها وتأثيرها في المحيط بعيدا عن عقد الإرث الذي نحمله في دواخلنا ، والذي يؤثر في حياتنا ولا يجوز المقارنة ما بين الوضع اليهودي كدين استغلته الصهيونية العالمية والدول الاستعمارية لإنشاء وطن قومي بمنطق حق القوة وبين الوضع النوبي كحضارة وتاريخ وديمومة التعايش مع المجتمعات المجاورة والذي ساهم بتشكيل هويتهم.


وعلى الرغم من خصوصية الوضع السوداني والأحداث المتواترة والقاسية وحالة الانقسام التي يعاني منها إلا أنني سأحاول القراءة بشكل منطقي بعيدا عن العواطف ومن خلال قراءة المعطيات التي أفرزتها الأحداث وأسبابها وهنا لابد من الإجابة على هذا السؤال: هل الحرب في السودان هي نتيجة حتمية للصراع بين الظالم والمظلوم؟

هنا قد أتفهم موقف (جون غرنغ) ورفضه فرض الشريعة الإسلامية من قبل نظام شمولي ومطالبته بتوزيع عادل للثروات ومطالبته بتطبيق مبدأ المواطنة ، وقد أثبتت الإحداث وطنية هذا الرجل وعمق انتمائه عندما عقدت المصالحة الوطنية بعد جولات عديدة وطويلة من الصراعات المسلحة ومن ثم السجالات والمفاوضات السياسية فجاء اغتيال هذا الرجل من قبل عملاء الدوائر الامبريالية لان المطلوب كان تمزيق السودان وليس وحدته وعندما استمرت حركته في عملية المصالحة طفت على السطح عدة أحزاب ومليشيات كان لها ادوار هامشية في السابق ، وبدأت حرب الإبادة وأصبحت الأيادي الخفية التي كانت تدعم هذه المليشيات تعمل في العلن ، وبدا العمل على تدويل هذه الأزمة والإطالة بعمرها من خلال الاتهامات والاتهامات المضادة بين الحكومة والانفصاليين ليدفع وحده المواطن السوداني الثمن ، ويبقى الرهان على وحدة الوطن أو تقسيمه مرهون بقرارات وتعليمات الدوائر الغربية، وحسب أولويات أجندة مصالحها عن طريق عملاء الداخل لإثارة الفتنة والدول المحيطة بالسودان التي تسير بفلكها لدعم المتمردين والمليشيات، ولكن لماذا كل هذه المقدمة الطويلة ؟

فأقول انه تولد لدي شعور من خلال القراءة بان الكاتب مع وجهة النظر التي تطالب بتقسيم السودان بناء على موقف النظام من قضية القومية وممارساته التي لا تمثل البعد الحضاري الإسلامي الحقيقي، واتباعه فلسفة بلا أخلاق أو بأخلاق نسبية أو طبقية حسب مصلحته ، والتي شكلت كارثة حضارية وتشويه فظيع لمفهوم القطرية والايدولوجيا ، وهذا ينم عن إشكال فلسفي تورط به النظام كما تورطت به النظم الشيوعية سابقا مما أدى في النهاية إلى انهيارها.

وبناء على ما تقدم أبدا قراءتي لقصة (وليمة لظّل اليهودي) ولكنني لم أجد بدا من العودة لقصيدة الشاعر الكبير محمود درويش ( الظل) ، مع مراعاة الفرق بين معنى الظل في النصين والى أين يؤدي كل منهما


قصيدة الظّل للراحل محمود درويش

الظلُّ، لا ذَكرٌ ولا أنثى
رماديٌّ، ولو أشعلْتُ فيه النارَ...
يتبعُني، ويكبرُ ثُمَّ يصغرُ
كنت أمشي. كان يمشي
كنت أجلسُ. كان يجلسُ
كنت أركضُ. كان يركضُ
قلتُ: أخدعُهُ وأخلعُ معطفي الكُحْليَّ
...قلَّدني، وألقي عنه معطفَهُ الرماديَّ...
استدَرْتُ الى الطريق الجانبيةِ
.فاستدار الى الطريق الجانبية.
قلتُ: أخدعُهُ وأخرجُ من غروب مدينتي
فرأيتُهُ يمشي أمامي
...في غروب مدينةٍ أخرى...
فقلت: أعود مُتّكئاً على عكازتين
فعاد متكئاً على عكازتين
،فقلت: أحمله على كتفيَّ،
...فاستعصى...
فقلتُ: إذنْ، سأتبعُهُ لأخدعهُ
سأتبعُ ببغاء الشكل سخريةً
أقلِّد ما يُقلِّدني
لكي يقع الشبيهُ على الشبيه
فلا أراهُ، ولا يراني.


ومن ابلغ ما قلت العرب للرجل عندما يموت ( ضحى بظله)


سابدا مع العنوان (وليمة لظل اليهودي) و الذي أجد تناغما ما بينه وبين عنوان رواية حيدر حيدر (وليمة لأعشاب البحر)، والملفت للانتباه دخول حيدر من بوابتي التهكم على الدين والمشهد الجنسي الفاضح بينما ادم دخل من باب السياسة ومن باب كسر حاجز العداء ( لإسرائيل) ، وهذه البوابات في الأدب يطلق عليها التابوهات والتي اتبعها بض الأدباء العرب للتقرب من الغرب وجوائزه المشبوهة، على أن لا يفهم هذا بأنه اتهاما للسيد ادم الذي أكن له كل احترام.


في المقطع الأول:
رسم لنا الكاتب صورة أثارت المشاعر إلى حدودها القصوى ، عندما قدم لنا صورة ساخرة ومحزنة يكتنفها الغموض ليعترينا إحساس حاد بالوجود الإنساني العابر الفاقد لهويته وتاريخه ، والتي يعزيها الكاتب للحياة القاسية والفقر، (حياة المشردين الذين يقطنون الأكواخ ) عندما شبه مسيرة البطل بطريق الآلام التي سار عليها سيدنا المسيح ولكن بخلاف ألا وهو أن الاضطهاد قد أتى من الأهل وليس من الزعامات الدينية فقط وانه بحضرة هذا الكم الهائل من الشقاء لم يجد متسعا من الوقت ليتعرف على حقيقة سبب آلمه. ولكن السؤال المشروع الآن من هم الذين نبهوه ؟ وهل هم من أصحاب الظلال ؟


وفي المقطع الثاني:
يسلط الكاتب الضوء على حالة الاغتراب المعاشة، و الناجمة عن الغربة بعيدا عن الوطن، ولكن ترى لماذا اختار الكاتب السوق العربية، والتبول وقوفا وأية صورة يريد أن يوصلها عن العرب وعن البطل الذي اعتاد البول على تاريخه؟


أما المقطع الثالث:
فرغم غرابة هذا الطقس عما نعرفه من الواقع السوداني ولكني لست ضد الواقع الافتراضي في العمل الأدبي. هنا بدت شخصية الفتاة متوازنة مقارنة بشخصية البطل ، فهي تحمل فكرة مكتوبة (ان لم تكن واثقا من نفسك فلا تقترب) ولم تتناقض مع ذاتها ممارسةً ، عندما فشل هو و لم يستطع أن يحاكي ظلها (قناعاتها) لفقدان ظله(هويته) ولم يستطع إثبات فحولته ، والتي على ما يبدو قد فقدها أيضا تعبيرا عن حالة عدم التوازن التي يحياها ، ولكن ما هو الثمن الذي كان مطلوبا دفعه ليتفاعل ظلها مع ظله ؟ وعاد مرة أخرى للجدل الفلسفي ليكتشف ذاته من جديد بأنه غريب حتى عن نفسه "إنه يُشبهني وأنا في حفلة تنكرية"


والمقطع التالي يفرض الكثير من الأسئلة: بيت الصديق الغائب ،........الخمر،........البغاء ،.....السياسة ،.....من هو صاحب الدعوة بغياب صاحب البيت ، وما هو القاسم المشترك للمواضيع المطروحة ، وهل نحتاج لفقد الوعي (السكر) لنفجر كبتنا و امتلاك الجرأة للتحدث بالممنوعات التي فصلت الظلال عن أصحابها وأي منهم هو الحقيقي الظل أم صاحبه؟


ولا ادري كيف يعود المخمور للحديث المتزن عن الانتهازية وانتقالها من صفوف الموالات إلى صفوف المعارضة تبعا للمصالح وسرعة تخليها عن ماضيها ، من اجل مصالحها واستغرب بأنه يعلم أن مصالح المنتفعين هي سبب الشقاء وحالة الضياع وليس الانتماء العرقي أو الديني ويعود لينسب الأسباب لعوامل أخرى.


وفي المقطع التالي يكشف لنا بعض سمات هذا الظل. وهنا اسأل إذا كان معتاد على غياب ظله ، فلماذا فوجئ بغيابه في بداية القصة ؟، ولماذا البحث في الأماكن ذات الخصوصية المعتمة والضيقة الحدود ؟، (غرفته- الأزقة- بيوت الرفاق- الحانة-عواميد الإنارة- ...الخ إذا كان النور هو من يولد الظلال فلماذا لا يبحث حيث النور.


وفي المقطع التالي تبدأ غربة أو مأساة الجميع بفقدانهم لظلالهم ، وتثار موجة التساؤلات وتختلف الآراء ليبرز لنا رأي انتهازي ولده الخوف يدعو للتحرر من الظلال فتكون الحكمة بصوته (حتى الكلاب تعرف الوفاء لمن أحسن لها)


ومن ثم يأتي هذا المقطع الذي يحمل البشارة بوصول المخلص ذو الظلال الطويلة، والعديدة الذي اثار الرعب، و شخصيته التي لا تحتاج للإفصاح عن هويتها المعروفة من خلال الموروث،أما الغرابة والدهشة فهما ربما بسبب فترة الانقطاع ، وقد قدمت نفسها بكل ثقة وعنجهية للذين يحسون بالدونية ،كاشفة عن حقيقتها، ومقدرتها على صياغة الهوية، وصناعة التاريخ والأتباع . لتقدم النصيحة والمشورة المستمدة من الأساطير الصهيونية المفبركة آلا وهي مضاعفات الرقم سبعة المعتمدة لديهم ومنها على سبيل المثال (التيه في الصحراء، وموعد قيام الهيكل ، وعمر دولتهم ، الخ من هرطقيات حاخاماتهم.

وفي المقطع ما قبل الأخير، يدخلنا الكاتب في حالة الابتهاج التي عمت، نتيجة هذه البشارة العظيمة، ويعرض لنا صورة غريبة لم نألفها عن طباع هذه الناس، من عزة النفس، وكأننا نسينا أن بعض هؤلاء قد قدموا من طبريا في فلسطين بعد المؤتمر الصهيوني الأول، لاستقطاب اليهود الوافدين إلى السودان من الأندلس بعد حملة التطهير العرقي التي قام بها القشتاليون هناك ضدا لمسلمين واليهود الذين لم يجدوا الملاذ الآمن إلا في السودان والدول العربية، وعاشوا مع أهله كمواطنين يتمتعون بكامل حريتهم، وحقوقهم المدنية والدينية. قد نتفهم عدم سؤال العربي ضيفه عن اسمه ،والاحتفاء به ، لأنها من شيمه وعاداته. ولكن أن يحتفي العربي بالتاريخ اليهودي فهذا يدعونا لوضع الكثير من علامات الاستفهام ؟؟؟؟؟


وارى أن الخاتمة فقد لخصت وبوضوح فكرة الكاتب التي أرادها عندما اختار المرأة التي ترمز للأرض والأمومة هذا الرمز العظيم، وجعلها تلقي بنفسها على أقدام هذا الغريب وتستعطفه ليتم لها طقسا من أصول عبادتنا تحت ظل عباءته (تاريخه وفكره) بطقوس مذلة مورست علينا بالأندلس إبان انتصار القشتالين على المسلمين الا وهي أن لا يتم ختان أي طفل مسلم أو يهودي إلا في مكان مكشوف بحضور قابلة قشتالية، لنرى اليوم أن شريكنا بالألم يمارس نفس السادية التي مورست علينا، وعليه قد ورث هذه النازية، وكانت سببا لتفوقه والانكا من ذلك أننا باركنا فعلته بزغاريد نسائنا ليختم بعدها الكاتب قصته بمقولة أن اليهودي لا يعبد إلا المال ولا يعمل إلا من اجله حتى لو بالكذب الذي لم ينكشف للبسطاء الذين تخلوا عن تاريخهم وما زالوا يستعملون الدواء الذي وصفه لهم اليهودي رغم انقضاء المدة المحددة للبشارة وهل هناك تبعية أكثر من ذلك، والسؤال هل هذه النتيجة كافية لإعفاء الكاتب مما ورد في النص؟


توضيح: إن ما قلته في هذه القراءة لا يتعدى كونه وجهة نظر خاصة تشكلت لدي من قراءة النص ومن خلال الزاوية التي نظرت منها إليه وقد تكون صائبة أو العكس.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق