الأربعاء، 20 يناير 2010

رسائل تفتح بمعرفتها فقط (5-6)


الرسائل الأكثر شهرة في الإنترنت والمواقع الإلكترونية والأكثر تعرضاً للسرقة

الرسالة الخامسة:
حبيبتي الغالية ...


أمي، والعصا التي أتوكأ عليها، وصديقتي التي تحمل كل أسراري حتى تلك التي لا يعرفها أقرب الناس إلي. تحيتي إليك حيث أنتِ، وكيف كنتِ .. متمنياً أن يصلك هذا الخطاب ليجدك بخير كما أتمنى لكِ دائماً.


غمني ما غمكِ من نبأ انفصال جارتك التي تسكن في الطابق العلوي عن زوجها، ولابد أنك حزينة عليها جداً، ولكِ أن تحزيني يا حبيبتي فمصائب الناس لا تفرح إلا من ران على قلبه، واعلمي أن الحب الذي غمرهما ذات يوم سوف يستحيل إلى كتلة من الكراهية يتقاذفان بعضهما بها إن هما لم يتحليا بالكثير من الشفافية والتحضر، كي لا يستحيل انفصالهما إلى ارتباط من النوع المرهق الذي يسعى كل منهما فيه إلى تشويه الآخر لتلميع نفسه، فكوني إلى جانبها، فهي أشد ما تحتاجك الآن. أعلم أنك تعلمين ما يتوجب عليك فعله تجاهها، فأنت أهل لكل ما تقومين به ولا تنقصك المعرفة بالواجب أيتها أصيلة.


بالأمس، استلمت خطاباً من مديري المباشر بالترقية، وكم كانت فرحتي غامرة عندما تسلمت الخطاب. كنت أود أن أعود إلى المنزل لأجدك تستقبلينني بذات الفرحة التي أجدها في عينيك كل يوم، أن آخذك بن ذراعي وأقبلك بحجم فرحتي، وأن أعلق الخطاب على صدرك فأنت من كنت سبباً في هذا الانتصار المهني. كل يوم يمر علينا ونحن معاً أؤمن أنني لم أخطأ عندما سلمتك مفاتيح قلبي، وأتساءل كيف كنت لأبدو بدونك؟ سوف نحتفل سوياً بهذه المناسبة دون شك، سأشتري شموعاً بعدد سنوات عشقنا، وبعضاً من الحلوى، ولا أريد منك إلا أن ترتدي ذات الفستان الذي ترتدينه كل مرة عندما نحتفل بشيء جديد. فأنت تبدين رائعة في اللون البمبي.


عن جاري الجديد (التحفة) الذي خبرتك عنه في الخطاب السابق، فقد سكن إلى جواري شخص يشعرك بالحميمية وبأنك تعرفينه منذ أمد بعيد. جاء لزيارتي بعد أن طرق الباب في كل أدب. وعندما أدخلته، جلس دون أن أشير إليه إلى المكان الذي أرغب أن يجلس فيه. بهرته الكرة التي تطلق الدخان الأزرق في زاوية الغرفة. وبحث لبرهة عن مصدر صوت مصطفى سيد أحمد وهو يغني بصوتٍ خافتٍ دافئ: [سمحة وسمرية .. محبوبتي ولفتاتها غزالة] حتى اكتشف جهاز الاستريو أعلى حاملة الكؤوس البيضاء. ولوحة مصارع الثيران الإسباني أعلى جهاز التكييف، كما أعجبته صورتك التي أعلقها أعلى سريري الذي أنام عليه. سألني بفضول غير محرج : [من هذه؟ أختك؟] فأجبته بكل فخر: [إنها الفتاة التي أحب] غمغم بكلمات لم أسمعها، ولكن لابد أنه كان إطراءاً خجولاً. تعرفين أننا لم نصل لديهم هذه المرحلة بعد.


هذا الجار (التحفة) جاء هارباً من جحيم العاصمة وضوضائها باحثاً عن الهدوء. إنه شخص وسيم، فارع الطول، ذو سمرة محببة، وأجمل ما فيه أنه يجيد العزف على العود. تقاطعنا سوياً في عشقنا لمصطفى سيد أحمد، غير أنه لا يتذوق الشعر. لا بأس فقد أخبرته بمواعيد عودتي من العمل. هو شاب طيب القلب، شفيف الدواخل، أجمل لحظاته عندما يحتسي كأس نبيذه التي لا تفارقه. لا أتعاطى الخمر، فأنت تعرفينني جيداً، غير أني لا أمانع أن أجالس المخمورين.


تلك الليلة عندما شرب الكأس الثالثة، قال لي وهو يلوح بيديه المتأرجحتين: [أتدري يا هشام هنالك الكثير مما أريد أن أخبرك به] وهكذا هم السكارى يبحثون عن فرصة ليفرغوا ما في بطونهم من مواجع وآلام تؤرقهم. وهم عندها يكونون في أصدق حالاتهم وأكثرها شفافية. ماذا حكا لي الجار السكير؟ هذا ما سوف أورده لك بالتفصيل في الرسالة القادمة بإذن الله.


إلى أن ألتقيك مشرقة كما أنتِ قبلاتي التي لا تنتهي إلى ما بين عينيك. وسلامي الممتد إلى أهلك الكرام.




الرسالة السادسة:
كلام .. كلام .. كلام ...
كم مرة طلبت منك يا حبيبتي ألا تعيري كلامهم اهتماماً .. هم لا يجيدون غير الكلام. والكلام مهنة من لا مهنة له. ألم تسألي نفسك ذات يوم: لماذا يعمد الناس إلى رشق العصافير بالحجارة؟ ترى لو كان بإمكانهم أن يمسكوها بأيديهم أكانوا يرشقونها بالحجارة؟ إذن فالرشق يا حبيبتي حرفة من لا يقدر أن ينال بيديه. هذا يعني أننا أعلى من مستوى أن ينالوا منا بأيدهم لذا دعيهم، فلا يضر السحاب نبح الكلاب.


حبيبتي أيتها القلادة التي أضعها بكل فخر على صدري. وبطاقة العشق التي أجعلها في جيبي الموازي لجهة القلب ... الآيديولوجيا تفعل فعلها معي .. وأعلم أنك غاضبة علي. من لهجة خطابك الأخير. ولكِ العتبى حبيبتي حتى يشرح الله صدرك لليقين بي. ولتعلمي أنني ما أجبرت على اختيارك، بل اخترتك عن يقين. لا أخفيك سراً فقد أحسست بفرحة دغدغت مشاعري للوهلة الأولى، إذ أن الرجال يحبون أن تغار عليهم النساء. ولكنني لم أشأ أن أجعلها ناراً تتأجج داخلك أكثر فأكثر.


ليس بيني وبين تلك الفتاة ما يريب. حتى أنه لا علاقة مباشرة أو غير مباشرة بها. كل ما في الأمر أنها ترى فيما أكتبه مادة دسمة لكتاباتها ومقالاتها، لكني لا أعريها أدنى انتباه. أعلم أنها تحاول كثيراً أن يكون هنالك طريق ما نتقاطع فيه، ولكني لا أسلك إلا الطريق التي تؤدي إليك فقط. أحب أن أكتب عنك كثيراً ليعلم الآخرون أية نعمة منحني إياها الرب، وحتى تقر عينكِ. وأربأ بك أن تقارني نفسك بها، فهي شيء وأنت يا حبيبتي شيء آخر. ولا أحد في هذه الدنيا يشبه الآخر. فطبِ نفساً عزيزتي. ولتقر عينكِ فلست أنا من ذلك النوع من الرجال.


بخصوص جاري السكير، فقد حكا لي ذات سكرة .. أنه كان يعشق فتاة سيامية، يقصد أنها تشبه القطط السيامية. كم تغزل في لون شعرها الكستنائي، وبروز نهديها الفاتنين، وقوامها الفارع الممشوق وكانت تدعي أنها تحبه بنفس القدر. غير أنها هجرته فجأة دون إبداء الأسباب. عرفت عندها أنه يحمل عبئاً ثقيلاً بين جنبيه. قلت في نفسي، إنها لا تستحقه. ثم لمت نفسي لأن لم أسمع منها، فربما كان كاذباً فيما ادعى. وتظل قصته تمتلك نصف الحقيقة، الأمر الذي جعلني أسأل نفسي: [ما الذي جعلها تهجره؟ أيهما كان على خطأ وأيهما كان على صواب؟] أسئلة كثيرة تنتهي كلها بعلامة استفهام كبيرة. وتفضي إلى شفقة عارمة تجاه هذا الجار المسكين حتى يثبت العكس.


عندها يا حبيبتي – لا أدري لماذا – أحسست أني أشتاق إليك، وأحسست أنك الملاذ الوحيد لي من عالم أشبه بقرية حلت عليها لعنة الرب. فقبلت صورتك المعلقة أعلى سريري الذي أنام عليه دون أن ينتبه السكير، وقلت في نفسي: [له الله إن كان مظلوماً] ونام معي تلك الليلة على نفس حالته وقبل أن يسقط على قفاه سمعته يقول بصوت متلعثم: قبل أن أصفعها الصفعة الأخيرة، اكتشفت أن لون شعرها مصطنع فما كان إلا صبغة جيدة الصنع، وكانت تستخدم السيليكون في صدرها، كما أن لون عينيها السياميتين ما كانتا إلا بريق العدسة اللاصقة، ولم ألاحظ –حتى اللحظة الأخيرة– أنها كانت ترتدي الكعب العالي لتعطي لنفسها ذلك القوام الفارع الممشوق. ثم سقط على ظهره وغط في نوم عميق.


قبل أن أختم خطابي هذا أريد أن أخبرك .. أنني على وشك أن أنقل مكتبي إلى مكان آخر. إنه على امتداد نفس الشارع الحالي، أغير أن المبنى أكثر فخامة وأغلى في الإيجار. وهذه المرة سوف لن يصبح مقر عملي قريباً كما هو الآن. من المفترض أن نبدأ الرحيل خلال الأسبوع الحالي. ولم أشتر جهاز (موبايل) جديد عوضاً عن القديم الذي تحطم. ولكنني سوف أفعل في القريب العاجل إن شاء الله.
لك ولأهلك الكرام أرق التحايا وأعطر السلامات. وقبلاتي تغمرك كيفما كنتِ .



هناك تعليقان (2):

  1. استاذ هشام رسائل رائعة تلك التي تبعثها
    ومضمونها يخلق في النفس شوق ويعجبني فيها أنهاتحتوي على بيان لسلوك الآخرين ، والرسائل تختلف فالتي للأم دائما تكون فيها تهذيبا لشخصيتنا وأننا لا نقع في الخطأ فنبين لها أننا على الجادة وهنكذا تتنوع بتنوع مستقبليها

    جميل ما قرأت

    ردحذف
  2. الأستاذ: محمد الكمالي [أبو مشعل]
    تحياتي لك

    أشكرك يا عزيزي على صبرك على قراءة الرسائل، وسعيد أن هذه الرسائل قد نالت قسطاً من إعجابك، وليت أدب الرسائل يعود ليظهر من جديد فبه الكثير من الجدية المطلوبة في فعل الكتابة، كما أنه يحمل مضامين إنسانية عميقة للغاية لو تم توظيفها بشكل جيد

    أكرر لك شكري وعظيم امتناني

    ردحذف