لا أحد يقبل الآخر كما هو، كلنا نتعامل مع بعضنا بأنانية. أليس كذلك؟ ماذا يعني أن يكون المرء "الصديق" مرآة لك؟ أنعجز عن إدراك أخطائنا بمفردنا؟ ألسنا نظلم أنفسنا إن افترضنا لها مرآة أخرى تُخضع أشياءنا الخاصة لحُكمها الخاص؟ لا أحد كالآخر بالضرورة؛ هل هذا صحيح؟ ورغم ذلك نُحب ونبغض الآخرين رغم أنهم ليسوا أمثالنا تماماً. علام نبحث إذن؟
***
الأصدقاء يُهدي بعضهم عيوب الآخر؛ هذا صحيح. ولكن هل نُحب فعلاً أن نعرف عيوبنا؟ بل هل نُريد ذلك فعلاً؟ أعني ما الجديد في أن يعرف أحدنا عيوبه؟ هل نظن أنّ هنالك شخصاً كاملاً بطريقة ما؟ ماذا لو أهداني أحد الأعداء عيوبي، هل أُحبه؟
***
سألني أحدهم عن الصداقة، فقلت له: "الصداقة كالحب؛ نبحث عنه رغم أننا نحن من نصنعه" نحن من يشعر بالحب تجاه الآخر، ونحن من نملك أن نكرهه كذلك. الحب صَنَعةٌ إذن! وإذن فنحن من نصنع الأصدقاء ونصنع الأعداء، ولكن لماذا؟
***
ليست هنالك فوارق كبيرة بين الأصدقاء والأعداء على الإطلاق، وإن كانت هنالك فوارق فهي فوارق وهمية من صنعنا نحن. معظم الأعداء كانوا أصدقاءنا ذات يوم؛ أليس كذلك؟ والعكس صحيح! الحالة الإنسانية مستنسخة ومتكررة، ولكنها رغم ذلك تبدو غير مألوفة، أو هكذا نريدها أن تكون.
***
حكيم هندي مغمور ادعى بأن النزوع إلى اتخاذ الأصدقاء منبعه الإحساس بالخوف من الآخر، أيّ أننا نُصادق من نخافهم أو نخاف عداوتهم، هذا الأمر –رغم فجاجته- فيه شيء من الصحّة، فنحن لا نخاف أعداءنا؛ وإنما نكرههم. هي إنما محاولة بائسة منّا كذلك للتفريق بين الحالات الإنسانية.
***
حكيم آخر (صيني هذه المرّة) يقول: "الصداقة تعبير جيّد عن الضعف، ولكنه تعبير سيء –بل سيء جداً- عن التكامل" هذه المقولة أيضاً –رغم فجاجتها؛ بها الكثير من الصحة. فنحن لا نبحث عن التكامل في علاقاتنا الإنسانية، التكامل قد يخلق الروابط اقتصادية أو اجتماعية اعتيادية ولكنها لا تخلق الأصدقاء، كما أنها لا تخلق الأعداء كذلك.
***
ليس هنالك شيء حقيقي وصادق يجعلنا نُميّز بين الناس، فنجعل منهم أصدقاء وأعداء وهامشين؛ كل ما في الأمر أننا "نُضطر" لخلق هذا التمايز حتى نشعر بالرضا عمّا نفعل، الرضا عن خياراتنا، ومصائرنا المحتومة؛ وبالتالي فإننا نُضطر إلى تصنّع الحميمية. هذا كلام فجّ، ولكن به من الحقيقة ما يكفي ليُشعرنا بالألم.
***
"الصداقة فعل اختياري" هذه أكبر وهمة اخترعها الإنسان المعاصر؛ بل هي فعل إجباري أو اضطراري. كيف يكون الفعل اختيارياً ولا نعرف الأسباب التي تدفعنا إلى التمييز والاختيار؟ كيف يكون اختيارياً ونندم عليه في أحيان كثيرة؟ بل كيف يكون اختيارياً ولا نملك أن نتخلى عنه وقتما نشاء؟
***
أكثر ما يدهشني في شأن الصداقة والعداوة، أن كلّ صداقة تنتهي تتحوّل مباشرة إلى عداوة، فيما لا يتحوّل أعداؤنا إلى أصدقاء بالضرورة عندما تنتهي العداوة! هذا الشيء مُحيّر، ومثير للتساؤل. وبين نشوء العداوات والصداقات هنالك عامل –لا أقول خفي- وإنما مُستتر، لا بُد من كشفه.
***
نُقل عن بلزاك قوله: "لم أسمع في حياتي عن شخص قرّر إقامة صداقة مع أحدهم"، فإذا كان "القرار" أحد أكبر علامات الاختيار والإرادة الحُرّة؛ أفلا يدفعنا ذلك إلى التصديق بأننا مُجبرون على اتخاذ الأصدقاء؟ ربما كان الاستنتاج غير دقيق كفاية؛ إذ قد نُجبر على اتخاذ الأصدقاء، ولكن هذا الجبر لا يُحدد لنا أصدقاءنا على أيّة حال.
***
أحس الكثيرون بالحنق تجاه ألبرت أينشتاين لما صرّح به في جملته المشهورة: "نحن مجبورون على حُب أمهاتنا" وربما لما اختلف المعنى عندي لو استخدم كلمة "مجبولون" فكلاهما بمعنى واحد؛ غير أن الأخيرة أكثر حميمية!
***
ولكن هل نحن مجبولون كذلك على حُب أصدقائنا؟ هذا سؤال ساذج بالطبع، ولكنه عملي جداً. فإذا كُنّا نحب أمهاتنا فقط لأنهن أمهاتنا، وليس لأنهن رحيمات، أو صادقات، أو جميلات فهل نُحب أصدقاءنا بذات الكيفية؟ بالطبع لا. حُبنا لأمهاتنا يسبق معرفتنا بهن، ولكننا يجب أن نعرف أصدقاءنا أولاً قبل أن نشعر بالحب تجاههم.
***
(كل الأمهات رحيمات، وكل الأمهات جميلات) هذه الجملة ليست صحيحة على الإطلاق، فأنا لا أرى أم عدوي جميلة، كما لا أراها رحيمة. هو كذلك لا يرى أميّ جميلة، ولكنني أراها كذلك فقط لأنها أميّ، فأمي لابد أن تكون أجمل الأمهات، وأكثرهن رحمة.
***
سُئل باسترناك الحاصل على نوبل في الآداب عام 1958م عن تعريفه للصديق، فقال: "هو ذلك الشخص الذي يحشر أنفه في خصوصياتي، دون أن يُغضبني ذلك" ولابد من لنا من الوقوف قليلاً عن هذا التعريف. وإذا أزحنا غبار السخرية عن جملته هذه، فإننا سوف نجد بعض الحلول عمّا نسأل عنه.
***
إذا كُنّا نسمح بتجاوز بعض الأخطاء للبعض، فهل نفعل ذلك لأنهم أصدقاؤنا، أم لأننا نُريد أن نوصل إليهم رسالة ما؟ "لقد سمحت لك بذلك، لأنني أعتبرك إنساناً خاصاً" وإن فعلنا ذلك، فلماذا نفعل؟ هل ننتظر المقابل؟ أم نشعر بالسعادة بهذا الشعور فحسب؟
***
كيف يرتبط الحب بالصداقة، بل كيف يُمكن التمييز بينهما؟ هل هما شيء واحد؟ هل يعني صداقتي بشخص ما أنني أحبه بالضرورة؟ وهل يعني حبي لشخص ما أنه صديقي بالضرورة؟ هذه الأسئلة قد لا تكون دقيقة ولكنها مُقلقة وباعثة على التوتر. فأنا لا أعتبر كل الذين أحبهم أصدقاء، ولكنني بالضرورة أحب أصدقائي؛ حتى أنني أحب أحدهم أكثر من الآخر. فكيف ذلك؟
الاثنين، 21 سبتمبر 2009
FRIENDSHIP
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
الفاضل هشام
ردحذفعبر ايميلى جاءتنى هذه الرسالة عن الصداقة
قال الجندي لرئيسه
صديقي لم يعد من ساحه المعركه سيدي
أطلب منك الإذن الذهاب للبحث عنه ..
الرئيس
' الاذن مرفوض '
و أضاف الرئيس قائلا :
لا أريدك أن تخاطر بحياتك من أجل رجل من المحتمل أنه قد مات
الجندي: دون أن يعطي أهمية لرفض رئيسه .
ذهب وبعد ساعة عاد وهو مصاب بجرح مميت حاملاً جثة صديقة ...
كان الرئيس معتزاً بنفسه :
لقد قلت لك أنه قد مات ..
قل لي أكان يستحق منك كل هذه المخاطره للعثور على جثته ؟؟؟
أجاب الجندي ' محتضراً ' بكل تأكيد سيدي .. عندما وجدته كان لا يزال حياً،
واستطاع أن يقول لي
( كنت واثقاً بأنك ستأتي )
بعد قراتى لهاوبعد ان اعدت شريط مؤسف من الصداقة الزائفة التى عشتها كاكبر ساذجة مصدقة لوجود صداقة
وجدتها مقالة مصطنعة لاتمت للحقيقة بصلة قد يمكن ان تقال لعلاقة اخرى ولكن لا تنطبق على الصداقة بالتاكيد
هذه شفيفة من التضحية النادرة جدا كاسطورة روميو وجوليت فى الحب او اى شىء من هذا القبيل ..
ولكن حتما ليست للصداقة
غالبا لا نختار هؤلاء الاصدقاء بل يلقيهم الزمان على ابوابنا فيقتحمونها بلا استئذان ثم لا نجد اننانشابههم لكننا فجاة ومن ضعف فينا نتقبلهم كماهم ثم تمر السنوات ونصطدم معهم مرارا ونعتاد على كل الترهات منهم ونمررها وفجاة نصفع منهم بصفعة اقل ماتوصف به انها كالخيانة كالطعن بالظهر من الوراء..ثم نلوم زماننا الذى قضيناه معه وندعى عدم تصديقنا ومعرفتنا بنتيجة علاقتنا ونحن الذين عشنا الوهم والخيبة ثم نفترق وربما انقلب فكان اعلم بالمضرة لذا احذر عدوك مرة وصديقك الف الف مرة..وبالاساسس نحن لا نحب ان نعرف عيوبنا ...
اعزرنى لانك الهمتنى فلقد اطلت
لك ودى
الفاضلة لمى هلول
ردحذفأعجبتني القصة الواردة في بريدك الإلكتروني، وهي قصة معبّرة بالفعل، ولكن الصداقة كقيمة ما هو إلا وهم نتوهمه يا سيدتي، ولاشك أننا نخلق لحاجة في أنفسنا لا أكثر من ذلك .. أشكر لك مشاركتك القيمة ومن قبل متابعتك لما يُنشر في هذه المدونة.
أخطأت من قبل بوضع التعليقات تحت الملاحظة ومراقبة المشرف، والآن التعليقات مفتوحة بدون قيد أو شرط وكان هذا مجرد خطأ تقني مني فلك العتبى
تحياتي لك وكل عام وأنت بألف خير