الأحد، 19 أبريل 2009

جدلية المرأة والرجل (تاريخ العبودية)

أنوي أن أتكلم عن مسألة العقلية الأنثوية المتطرفة بقدر ما يهمني أن أسحب هذه التجربة على تجربة الرق والعبودية اللونية التي عرفت منذ القدم إبان الثورة الصناعية في أوروبا من أجل أن أصل معكم إلى حقيقة واحدة هي: أن قضية المرأة تستند في مجملها على عقدة نسائية متأصلة لا يمكن تجاوزها إلى علات أخرى مجتمعية أو ذكورية إلا في بعض القضايا الحصرية.

فمسألة الرق قامت على مبدأ عنصرية لونية ترى أن الأبيض أعلى وأرقى من الأسود وهنا أرجو من الأخوة القراء والمتابعين أن يلتزموا بأمرين غاية في الأهمية عند متابعة هذا البوست حتى نتفادى المواجهات التي تنجم عن عدم فهم لمغزى البوست ، ربما بسبب الدفاعية غير المتعقلة، أو ربما بسبب عجزي عن توصيل الفكرة كما يجب:

أولاً : المحاولة القصوى في الالتزام بالحياد لأنني أعتبر نفسي محايداً عند طرح هذه القضية بشكلها التاريخي غير المنهجي ، إذ لم أعتمد فيها على مراجع تاريخية موثقة بأرقام وتواريخ وحقائق تاريخية مباشرة بقدر ما اعتمد فيها على مخزوني المعرفي وعلى مشاهداتي للواقع التاريخي للقضيتين (المرأة) و (الرق).

ثانياً : سحب تفاصيل قضية الرق كلياً على قضية المرأة للوصول إلى التطابق الذي أريد أن أصل إليه في هذا البوست، ومن ثم التوصل إلى النقطة الفاصلة التي هي محور القضية التي أتناولها.

فأقول، إن مسألة الرق والعبودية عندما بدأت كان السبب فيها ناجماً عن عقدة عرقية تعتقد أن اللون الأبيض هو السيد وأن اللون الأسود لا يعدو إلا أن يكون عبداً يستفاد منه كيد عاملة نشأت على إثر الثورة الصناعية. ولا يستطيع أحد القول بأن مسألة الرق كانت مبررة بل أنها ذهبت إلى أبعد من مسألة تشغيل السود كعمال في المناجم وغيره إلى امتهان وإلغاء إنسانية الإنسان الأسود وإباحة دمه والنظرة الفوقية التي كانت متمثلة في شكل المعاملة بين طبقة البيض والسود.

ليس ذلك فحسب بل ظهرت بعد ذلك في شكل تجارة لها رواجها الكبير استفاد منها البيض وبعض السود الذين تآمروا على بني جلدتهم وساعدوا تلك الدول الصناعية في نقل العديد من السود وبيعهم لهم، وهذه التفرقة العنصرية خلّفت – بلا شك – عقدة كبيرة جداً عملت بدورها في اتساع الهوة بين أصحاب اللونين. ورغم أن فوقية البيض لم تكن موجه فقط للسود بل إلى جميع الألوان الأخرى وإنما تركزت تحديداً على السود على اعتبار أنهم الأقل حضاً من الناحية الثقافية والاقتصادية. وربما عانى بعض السود على إثر ذلك من عقدة اللون.

وإذا قمنا بسحب هذه الجزئية على قضية المرأة. نجد أن المرأة منذ القديم كانت تعاني من قهر وتمييز قائم على أساس الجنس وهو نفس القهر الذي قابل به البيض أقرانهم السود. وكما أن العنصرية بين البيض والسود لم تقف عند حد التمييز والعنصرية فقط بل تجاوزها إلى القهر والاضطهاد كذلك نجد أن المرأة كانت مقهورة في محاربتها جنسياً ويظهر ذلك في شكل تمييزها من الرجل على الأساس الجنسي وسلبها الأهلية والقدرة على ممارسة ما يقوم به الرجل.

ليس ذلك فحسب بل تضمن القهر اتخاذه شكلاً من أشكال العنف المعنوي والحسي الذي مورس عليها طيلة هذه المدة مما كرس لشعورها بالدونية والضعف وحصر وجودها لخدمة الرجل ومن أجل إمتاعه فقط كما أن تصوير المرأة على أنها أداة لتفريغ الشهوة الحيوانية هو نوع من أنواع الممارسات السلبية التي تمت ممارستها على المرأة وكما أننا نجد أن بعض السود يعانون من عقدة اللون فإننا نجد بعض النساء يعانين من عقدة الجنسية أو الذكورة فهي تمثل لهم عقدة حقيقية لم يستطيعوا تجاوزها بسهولة فيظهر ذلك في رفض كل ما هو ذكوري أو متعلق بالذكورية ومحاولات تقبيحها وبالمقابل تمجيد الهوية الأنثوية على اعتبار أنها مصنع الرجال وأم الأجيال وما إلى ذلك من الأوصاف التي يحاول بعض النساء بها التعويض عن عقدة نشأت في الأصل بدافع القهر الذي مورس عليها من قبل الرجل. تماماً كتلك الأوصاف التي بدأ السود نسبها إلى أنفسهم في محاولة للتخلص من عقدة النقص التي نشأت عن العنصرية اللونية كمثل قولهم: "السمار نص الجمال" و "السود أكثر فحولة من البيض" و "السود أكثر خصوبة من البيض" ونسب القوة إليهم أكثر من غيرهم ...إلخ كالنزعة إلى الحامية ضد السامية وغير ذلك من المقولات التي لا تبرير لها غير أنها ناشئة من عقدة نشأت في الأصل من العنصرية، وهذه العقدة عقدة اللون وعقدة الذكورة على الرغم من أنهما عقد غير محمودة إلا أن لها تبريراتها الموضوعية التي ساعدت على تولدها.

وبالعودة إلى موضوع العنصرية اللونية ، فنجد أن السود كانت لهم نضالات قوية جداً في سبيل التحرر من هذه العبودية للبيض ولاسترداد حقوقهم، كما نجد مناصفة بعض البيض لقضيتهم والدعوة بتحريرهم من قيود العبودية والتمييز والعنصرية والتاريخ حافل بالعديد من المناضلين سواء من السود أنفسهم - على اعتبارهم المستفيد الأول من هذه النضالات - أو من البيض على حد سواء.

ولا أفهم لوقوف بعض البيض ومناصرتهم لقضية العنصرية اللونية إلا أنهم أناس يفهمون معنى الإنسانية والحرية البشرية التي تقوم في أصلها على مساواة البشر سود/بيض دون التفريق من الناحية الأهلية لأي منهما. فلا يعقل أن تكون العنصرية مبرراً للقول بأن السود أكثر ذكاءً أو أكثر فحولة أو أكثر خصوبة من البيض، كما أنه لا يعقل أن ننعت البيض بتلك الصفات بشكل حصري. إذ أننا نجد الأبيض الغبي والأبيض الفحل والبيضاء الخصبة والعكس بالعكس. فمعايير الذكاء البشري والتفكير العقلي والأهلية ليست مقترنة باللون والعرق أبداً.

وإذا سحبنا هذه النقطة على قضية المرأة نجد أن الحركة النسوية التي بدأت في الانتفاضة على وضعها المزري قد قامت في مجملها من أجل تحرير المرأة من عبوديتها للرجل ورفع الظلم عنها على اعتبار أنها إنسانة كاملة الأهلية بدون الرجل. ووجدت هذه الحركات التي تدعو إلى تحرير المرأة وإلغاء التمييز ضدها قبولاً ومناصرة حتى بين صفوف الرجال ، بل أن أول من دعا بتحرير المرأة المسلمة على وجه الخصوص والمرأة العربية بشكل عام هو رجل (قاسم أمين)، ومن ثم بدأت المجتمعات تفتح عينها على حقيقة كانت واضحة وجلية منذ البداية ولكن العنصرية الرجولية التي كانت تمارس بحكم العادة أو التعوّد هي من كانت تضع هذه الغشاوة على العيون. ومثلما قوبلت حركات مناهضة العنصرية اللونية بالرفض العنيف في بداياتها كذلك نجد أن البعض رفض مسألة تحرر المرأة وتفاوت الرجال في المجتمعات في هذا الرفض، فالبعض رأى بأن لها الحق في التعليم ، ولكنها لا يجب أن تعمل. والبعض رأى أنها يجب أن تعمل ، ولكن يحصر نطاق عملها في مجالات محددة ... وهكذا.

وهذا في رأيي أمر طبيعي حيث أن مسألة ثورية التغيير لا بد أن تقابل بالتصادم والرفض في البداية. كما أن التغيير الثوري في أي مجتمع لا يأتي فجأة ولا يفرد سيطرته بشكل مفاجئ وفوري، فكما نعرف فإن التغييرات المجتمعية تحدث بصورة بطيئة قد لا تكون ملاحظة في أغلب الأحيان ولكن يتم اكتشافاها بالتاريخ السابق لها. وكما كان هنالك زنجي يطالب برفع الظلم عنه لمجرد أنه يريد فقط أن يحس بإنسانيته وبألا يفرق في المعاملة على أساس لونه ، كذلك نجد امرأة تطالب بحقها في أن تكون إنسانة كاملة العقلية والأهلية وألا يفرق في معاملتها على أساس جنسي.

وبعد هذه النضالات التي قادها الزنوج ومناصروهم ضد العنصرية اللونية ، والضغط الذي مارسته هذه الحركات في شكل تصعيد قضيتهم على المستوى الدولي نجد أن كل هذه العوامل هي من فرضت واقع إنشاء بعض المنظمات الإنسانية والحقوقية ، كحقوق الإنسان وغيرها التي نصت على رفع العنصرية والمطالبة بحقوق هؤلاء الزنوج ومنحهم حق التجنس والمواطنة داخل الدول التي استعبدتهم وجلبتهم من أرضهم فيجب أن تكون لهم حرية تقرير مصيرهم في أن يعودوا إلى أوطانهم أو البقاء في تلك الدول مع منحهم جميع حقوق المواطنة الممنوحة للبيض. وسنت الدساتير التي تعاقب كل رجل أبيض يتضح أنه يتعامل مع الزنوج أو أحدهم على أساس عنصري، وفرضت عقوبات مشددة على ذلك.

وبدأ السود في مرحلة انتقالية جديدة تبشر على المدى البعيد بأجيال لا تعاني من العنصرية وتعامل معاملة إنسانية، فسمح للزنوج بإدخال أبنائهم في المدارس مع أقرانهم البيض، وتم منحهم حقوقاً كانوا يطالبون بها طوال حركتهم النضالية وبسحب هذه التجربة على واقع قضية المرأة فإننا نجد أن نضالات الحركات النسوية والرجالية الداعمة لها قد نجحت في خلق تيارات قوية جداً تناصر قضية المرأة؛ نشأ عنها قيام بعض المنظمات التي تدعو إلى محاربة العنصرية الجنسية والتمييز الجنسي. وسنت الدساتير والقوانين التي تعطي للمرأة حقوقها وبدأ العمل على نشر هذه الدساتير على مستوى المجتمعات المتخلفة والتي ما زالت تردح تحت وطأة الثقافة الذكورية، وبدأت هذه المنظمات تضغط على حكومات الدول لتطبيق الدساتير التي تم الاتفاق عليها بعد سلسلة من الاجتماعات والمناقشات لوضع رؤية واضحة لمطالب المرأة والأقليات المستضعفة كالأطفال والأقليات الدينية والعرقية وغيرهم، وكيفية تنظيم هذه القضية وهذه المطالب وصياغتها في شكلها القانوني الملزم. ولقد استجابت بعض الدول لهذه المطالب وضمنت تلك القوانين في دستايرها التشريعية، ولازالت إنجازات الحركة النسوية تتقدم وتحرز مكاسبها يوماً بعد يوم في شكلها البطيء غير الملاحظ إلا بالمقارنة التاريخية. فنالت المرأة حقها في التعليم وحقها في العمل وحقها في الاستثمار وحقها في القرار وحقها في السلطة ... إلخ.

واليوم وبعد كل الإنجازات التي حققها المناضلون الذين دفعوا حياتهم من أجل إلغاء العنصرية اللونية، نجد أن بعض السود ما زالوا مأسورين إلى ماضي الرق وذكرياته المؤلمة التي حفرت على قلوبهم نوعاً من الحقد العرقي على البيض، فلم يستطيعوا التخلص بالشكل الكامل من تلك النعرة اللونية، وفكرة أن الأسود أدنى من الأبيض ونجد ذلك واضحاً في تأويل السود كل ما يوجه إليهم من البيض على أساس عنصري ما زالت أثاره موجودة داخلهم.

وكذلك فإن بعض البيض ما زالوا يعتقدون بأن اللون الأسود أحقر من أن يتسالم معه كلياً رغم أهليته القانونية التي فرضتها القوانين الدولية. ونفس الوضع هو الحاصل في قضية المرأة فرغم الإنجازات والمكاسب التي حققتها الحركات النسائية والرجالية المناصرة لها فما زالت بعض النساء مأسورات إلى ماضي العبودية الرجولية وذكرياته المؤلمة التي حفرت على قلوبهن نوعاً من الحقد الجنسي على الرجال. فلم يستطعن التخلص بالشكل الكامل من تلك النعرة الجنسية وفكرة أن الرجل أعلى من المرأة، وأن المرأة أقل من الرجل وتأويل كل ما يوجه إليهن من الرجل في قالب العنصرية الجنسية والتمييز الذي ما زالت أثاره موجودة داخلهن، ويساعدهن في ذلك وجود تلك الفئات من الرجال ممن لا يزالون مأسورين هم كذلك بثقافة العقلية الذكورية، وافتراضهم أن المرأة لا تعدوا أن تكون كائناً حقيراً لا يرقى إلى أن تكون وزيرة أو رئيسة دولة أو حتى رئيسته المباشرة في العمل.

ويرون أن الوضع الحالي بعد القوانين الجديدة التي طالبت بحقوق المرأة وأهليتها هو في وضع خاطئ ولا بد أن يعود الأمر إلى أصله في النهاية بل وأن بعض النساء يذهبن إلى أبعد من ذلك فيمارسن حقدهن على اللغة التي ترى فيها الصبغة الذكورية وترى أن حتى اللغة ظلمت المرأة في كثير من المواطن وترى ان اللغة إنما هي صنعة ذكورية يجب تعديلها حتى يتوافق مع مشروعهن الثوري المرجّى ، وما الكلمات التي أوردتها في مقدمة هذا المقال إلا للدلالة على ذلك. وهنالك العديد من الأمثلة التي تقابلها في اللغة العربية وغيرها من اللغات التي ترى ظلم اللغة للمرأة. وكل ذلك يمكن أن يبرر في ظل القهر الذي لم تستطع المرأة أن تتخلص منه بشكل كلي. ومن الصعب أن نفترض أن يتماثل المحروق للشفاء بمجرد أن نمسح عليه مرهم الحروق، فلا بد أن نقتنع أن عملية الشفاء وإعادة إحياء الأنسجة وإلتئام الجروح تأخذ فترة زمنية حتى تتم وتصل إلى مرحلتها النهائية المقبولة ، ويعود لون الجلد ليبدأ بالاقتراب من اللون الطبيعي حتى يختفي الفارق بين اللون القديم والجديد تماماً.

هذا فيما يتعلق بالماضي والحاضر، أما المستقبل فيصعب التنبؤ بما سيكون عليه الوضع. هل سنشهد أجيالاً تتفهم المسألة وتستطيع التخلص نهائياً من هذه العقدة والرواسب التي نتجت عبر آلاف العشرات من السنين؟ هل سنشهد أجيالاً تنتفي فيها عقدة الرجل والمرأة ويتساوى فيها الجميع أمام المجتمع وأمام القانون وأمام الدين؟ هل سيكون حال الأجيال القادمة أفضل بحيث تشهد تفتحاً يعي مصلحة أن يكون الرجل والمرأة على حد سواء في بناية المجتمع والمساهمة في مجرياته الاقتصادية والسياسية والعلمية على أساس من التفاهم والمساواة وتكافئ الفرص؟ أم سيشهد ذلك الجيل تقهقراً إلى الوراء وخسارة تلك الحركات لمكاسبها التي اكتسبتها عبر السنين لترجع إلى مربع رقم واحد حيث الدونية والعنصرية والتفريق والتمييز الجنسي؟ أم ربما ستشهد تلك الأجيال ثورة أنثوية تطغى على المجتمع وتكون هي المتحكمة فيه كما صرحت بذلك الصحفية اللبنانية نضال الأحمدية بأن عام 2012 سيكون عالماً أنثوياً بمعنى الكلمة.

ألا يذكر ذلك بثورة البوليتاريا التي تحدثت عنها الماركسية؟ هل سيصاب الرجال بالقهر الأنثوي يوماً ما؟ ويكرر التاريخ نفسه بشكل عكسي؟ هل يولّد الإحساس بالقهر قهراً مضاداً؟ هل تستحيل الدعوات بالعتق والخلاص إلى دعوات بالعنصرية المضادة والانتقام من التاريخ القديم؟ هل تصح المقولة بأن قضية تحرير المرأة ما هي إلا دعوة حق أريد بها باطل؟ لها الله تلك الأجيال القادمة فيما سوف تراه وما سوف تشهده.

والتحية للنساء أمهات الرجال وهن يحاولن محاولات الجنين أن يخرجن من ثوب الرجل ليضعن وبشكل واضح معالمهن التي يرونها لأنفسهن دون أن يجنح بهن الحلم إلى تمثيل دور القاهر بدلاً عن المقهور ، ودون أن يحصرن حلمهن في دور الجلاد وإنما يردن فقط أن يفهم الرجال أن النساء كائنات عاقلة ومتصرفة ومؤثرة ومنتجة.

أحيي أمي وهي من منحتني من رحيقها الرحمي لوني وشكلي وتفكيري، وأحيي أخوتي الإناث وهن يقبعن داخل سجنهن المتخلف "المجتمع" في محاولات لمقاومة الوضع والتغلب عليه، أحيي صديقاتي أينما كنّ وهن يناضلن من أجل أن يتنفسن هواءً لا يحمل رائحة الرجال دون أن يؤدي بهن ذلك إلى التقزز من رائحة الرجال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق