الأربعاء، 8 يونيو 2011

عسس النصوص

بقلم: هشام آدم – 16 أبريل 2011
عندما نتكلم عن مصادرة الكُتب والمنشورات، فإننا نعيد عجلة التاريخ إلى الوراء؛ حيث عصور الظلام والتخلّف التي عانت منها أوروبا لقرون طويلة، وكانت سببًا في تراجعها الفكري والحضاري، في الوقت الذي كانت فيه الحضارة العربية تعيش أوج انتعاشها، مستفيدةً من المد الجغرافي الذي وفرته الإمبرالية الإسلامية، والانفتاح على الآخر والتقاطع مع حضارات وثقافات ومعارف أخرى جديدة، ونشاط حركة الترجمة والاهتمام بالكتاب والتأليف، دون التركيز على جانب معرفي أُحادي بعينه، فرأينا كيف انكب العرب على كتب الفلسفة اليونانية والهندية والصينية، وراحوا يترجمونها إلى العربية، لتنفتح لهم بذلك آفاق واسعة من المعرفة التي أدت إلى دعم واستقرار المشروع الحضاري العربي في ذلك الوقت؛ لاسيما أن حركات الانفتاح والترجمة والتأليف كانت برعاية مباشرة من رأس الدولة، وباهتمام متفرّد منها. في ذلك الوقت، كانت أوروبا تتبع منهجًا معرفيًا أُحاديًا يقتصر على ما يتوافق مع آراء الكنيسة، ويُعضّد أفكارها وتوجهاتها، وتفرض منهجها ذلك على الكُتاب والمفكرين والمُبدعين، وتقوم بمصادرة ما لا يتوافق مع هذا المنهج وهذه التوجهات، وبذلك ظلت قابعة، لعقود طويلة، تحت ظل التاريخ وخلف حركتها المُتسارعة، قامعةً بذلك حركات التحرر والانفتاح التي كانت تحاول الخروج بين الفينة والأخرى، وتتعرض لها بالمُصادرة والحرق، حتى أن سطوة الكنيسة كانت تطال المُبدعين أنفسهم؛ تارةً بالقتل، وتارةً بالنفي, وتارةً بالحبس.

إنه لمن المستغرب، بل والمُستهجن، أن نعود القهقري في عصر الفضائيات والإنترنت؛ عصرٍ يتسم بالانفتاح وتدفق المعلومات وتوفرها على بُعد نقرة في لوحة المفاتيح، أو ضغة زر على جهاز التحكّم عن بُعد، لنعود إلى مُصادرة الكُتب والمُنشورات، لأن ذلك يعني مُصادرة الأفكار والآراء، وهو ما لا يُمكن القبول به أو تصديقه حتى. وعند هذا الحد فإننا نكون أمام مواجهة مُباشرة مع السؤال التالي: "لماذا تتم مُصادرة الكُتب؟ وبأي معيار يتم ذلك؟" وربما تكون إجابة السؤال الثاني مختفية خلف إجابة السؤال الأول، فالمعيار الوحيد الذي تتم به مصادرة كتاب هو، بالضرورة، السبب الذي دعى إلى مُصادرته؛ وعندها يتولّد سؤال آخر: "هل يخضع الإبداع الإنساني إلى معيارٍ ما؟"

إن رفضنا لفكرة مصادرة كتابٍ ما، ناشئ في أساسه من إيماننا الكامل والعميق بحرية التعبير والرأي، كواحدة من الحريات الأساسية التي تناولها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك اعتقادنا الراسخ بأنه لا يُمكن، بأي حالٍ من الأحوال، مصادرة الأفكار والآراء، ناهيكَ عن مُصادرة رواية أدبية، عندها نعلم تمامًا أننا أمام ردة فكرية من ذلك النوع الذي يُعبّر عن هوس السُلطة وعدائها التاريخي، أو ربما الأزلي، مع الثقافة والمُثقفين، وتلك جدلية تناولها إدوار سعيد وعدد لا بأس به من المُفكرين، وأعني بذلك علاقة المثقف بالسُلطة، وهي واحدة من إشكالياتنا الحقيقية في سبيل خلق واقع إبداعي حُر ومُعافى.

لقد تعرّضت رواية "فركة" للروائي السوداني طه جعفر الخليفة للمُصادرة من قِبل لجنة المُصنفات، ولم تكن تلك أول مُصادرة تتعرض لها رواية سودانية حائزة على جائزة ذات صيت واحترام داخل السودان، وأعني بذلك جائزة الطيّب صالح للإبداع الروائي؛ إذ سبق للجنة أن صادرت رواية "الجنقو .. مسامير الأرض" للروائي عبد العزيز بركة ساكن، الحائزة أيضًا على ذات الجائزة في دروتها السابعة 2008 – 2009 الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مصداقية المعايير التي تتعامل بها لجنة المُصنفات، والقلق الذي يراودها من مثل هذه النصوص الإبداعية. وذلك يجعلنا نتساءل بكل براءة: "هل تُشكّل النصوص الإبداعية الأدبية أيّ تهديد للسُلطة فعلًا؟" قد يبدو هذا السؤال ساذجًا للوهلة الأولى، ولكننا عندما نعرف أن السُلطة حرصت على دعم وتبني مشروع (جائزة الطيّب صالح للإبداعي الكتابي) الذي ترعاه شركة زين للاتصالات، فإنه بإمكاننا أن نفهم توجه السُلطة نحو تحييد مشروع جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي الذي يرعاه مركز عبد الكريم ميرغني، وهو ما يعني دخول السُلطة في مُنافسة لاحتكار العمل الثقافي والإبداعي، وفق شروطها ومعاييرها والتي، بالضرورة، لا تتصل بوظيفة الفن والإبداع على الإطلاق.

في تصوّري الشخصي فإن السُلطة تحاول ترويض العمل الإبداعي عبر استخدام قنواتٍ، كلجنة المُصنفات، وعبر تبني مشاريع جوائز ومسابقات أدبية، للحيلولة دون استقلالية الأعمال الإبداعية، وهي بذلك تحاول اصطياد عصفورين بحجر واحد، فهي من ناحية تضع ترسانة معاييرها الخاصة وغير الموضوعية في تقييم الأعمال التي لا تنتمي إليها سلطويًا أو تنظيميًا أو حتى أيديولوجيًا، ولا تدعم توجهاتها أو حتى لا تتوافق مع نهجها، ومن ناحية أخرى فإنها تحاول أن تبدو بمظهر الداعم للبرامج الثقافية والأدبية والراعي لها، وهو مُؤشر خطير لو تنبه إليه الحادبون على أمر الثقافة والإبداع في السودان؛ لاسيما في ظل انعدام جهات مستقلة يُمكن اللجوء والاحتكام إليها، أو ترهل وظائفها عن طريق سحب الصلاحيات منها، لتكون بذلك مُجرّد مُنشآت لا قيمة حقيقية أو فاعلة لها، كاتحاد الكُتاب السودانيين، واتحاد الناشرين السودانيين.

إننا أمام أدلجة للأعمال الأدبية، أو على أقل التقديرات، الحيلولة دون نشر الأفكار المخالفة لأيديولوجية السُلطة، وهو أمر خطير للغاية، لأنه يعني أنه لا يُمكن لأيّ صوتٍ، خلاف صوت السُلطة وأيديولوجيتها، أن يعلو ويظهر، وهو ما يتنافى مع النسق الديموقراطي، ويهدم أساس التعددية الفكرية والسياسية، ولابد للأحزاب السياسية التدخل بصورة مُباشرة لمنع هذا التغوّل، لاسيما إذا عرفنا أن منظمات المجتمع المدني والهيئات الأهلية الأخرى ليس لها قدرة حقيقية على خوض مواجهة مع السُلطة. هذا أو فإننا سوف نشهد واقعًا أدبيًا مشوهًا، سنكون مسئولين عنه مسئولية تاريخية، والتاريخ لا يرحم أحدًا.

نشر في جريدة أجراس الحرية

هناك 3 تعليقات:

  1. هشام لا زلت مبدعاً كما عهدتك..
    لكنني أيضا لازلت أعارض افكارك الـ بعيدة عن جذورك وانتمائك الاسلامي!

    جل ما اتمتاه الاّ تنجرف خلف تيار قد يقذف بك الى الهاوية!!
    »» ساعتها انا اول من يشمت بك«« كعادتها اختك الطيبه



    وفقك الله لما فيه الخير

    اختك هيا القحطاني

    ردحذف
  2. هشام لا زلت مبدعاً كما عهدتك..
    لكنني أيضا لازلت أعارض افكارك الـ بعيدة عن جذورك وانتمائك الاسلامي!

    جل ما اتمتاه الاّ تنجرف خلف تيار قد يقذف بك الى الهاوية!!
    »» ساعتها انا اول من يشمت بك«« كعادتها اختك الطيبه



    وفقك الله لما فيه الخير

    اختك هيا القحطاني

    ردحذف
  3. هشام لا زلت مبدعاً كما عهدتك..
    لكنني أيضا لازلت أعارض افكارك الـ بعيدة عن جذورك وانتمائك الاسلامي!

    جل ما اتمتاه الاّ تنجرف خلف تيار قد يقذف بك الى الهاوية!!
    »» ساعتها انا اول من يشمت بك«« كعادتها اختك الطيبه



    وفقك الله لما فيه الخير

    اختك هيا القحطاني

    ردحذف