الاثنين، 3 مايو 2010

يوم مهم

منذ الأمس وساعة الحائط متوقفة عند الساعة الثانية وخمس وعشرين دقيقة، ولا أعلم متى توقفت الساعة عن العمل، ولماذا، ولكن ساعة هاتفي المحمول تشير إلى الساعة السابعة والنصف صباحاً. استلمت للتو رسالة تذكيرية من كلمتين (يوم مهم) ويبدو أنني خزنتُ هذه الرسالة بالأمس، أو ربما قبل أسبوع، لا أذكر متى خزنت هذه الرسالة، والأدهى من ذلك أنني لا أتذكر ما هو المهم في هذا اليوم؛ فالرسالة لم تحتو على تفاصيل أكثر.

اليوم هو يوم الأربعاء، حسب التقويم، ولكن إحساسي به كإحساسي بيوم السبت. أتعامل مع الأيام كأنها شخوص حقيقية؛ فالسبت شخص متجهم وصارم وحاد الطباع. والأحد شخص انطوائي وخجول، ولكنه مسئول وملتزم. والاثنين شخص مثالي للغاية وودود ولكنه سلبي نوعاً ما. والثلاثاء شخص اجتماعي جداً ومرح ومعتدل المزاج ويميل إلى ممازحة الأصدقاء. والأربعاء شخص مزاجي وعنيد ولكنه طيّب وخدوم. والخميس مراهق متهوّر وطائش وشديد الاعتزاز بنفسه؛ أما يوم الجمعة فهو مُسن طاعن، ممل الطباع، وشديد الترتيب.

تجرّدتُ من ملابسي تماماً، ثم وقفت أمام المرآة قليلاً. كانت ملامحي الناعسة أقرب إلى ملامح شخص متجهم وغاضب، وشعري غير مرتب، وكأنني خرجتُ للتو من مصارعة ثيران أو امتطاء خيل جامح، وبشرتي الدهنية أفرزت زيوتها فتركت لمعة مقززة على وجهي وأنفي. قررتُ ألا أحاسب نفسي على هذا المنظر المزعج، وأخذتُ حمامي الصباحي الدافئ، وفرّشتُ أسناني؛ ثم غادرتُ المنزل. ذات الأشياء بذات التفاصيل تتكرر كل يوم: انهض من فراشي، اطوي البطانية، أغلق جهاز التكييف، أفتح النوافذ، أتجرّد من ملابسي، أقف أمام المرآة، ثم آخذ حمامي الصباحي وأغادر.

في الطريق إلى عملي كنتُ منهمكاً في تذكر الشيء المهم الذي خزنته في جهاز هاتفي النقال، وكانت محاولاتي بائسة للغاية ولا تفضي إلى شيء على الإطلاق، فكل شيء يبدو اعتيادياً للغاية. توقفتُ عند أحد المتاجر القريبة، اشتريتُ فطيرتين محشوتين باللبنة والزعتر، وقارورة صغيرة من عصير البرتقال. إنه أمر غريب؛ إذ من المفترض أنني لا أحب الحمضيات، ورغم ذلك لا أشتري غير عصير البرتقال، ولا أدري لماذا لا أجرب صنفاً آخراً. صاحب المتجر مدّ يده والتقط علبة سجائر دنهل، ووضعها داخل كيس أغراضي. إنه صنف سجائري المفضل، ورغم أنني لم أطلب منه؛ إلا أنه فعل ذلك بشكل تلقائي واثق، ربما نقلتُ إليه عدوى الرتابة بطريقة ما.

في السيارة كنتُ أدير أغنية لمطربة لا أتذكر اسمها الآن، ولكن أحدهم أهداني الشريط قبل شهرين، ونصحني بسماعه، ومنذ ذلك الحين لم يخرج الشريط من جهاز التشغيل. يتطلب الأمر شيئاً من الاهتمام، ولكنني بالتأكيد لم أكن أملكه، فظل الشريط في مكانه طوال الشهرين، حتى أنني كدتُ أحفظ بعض أغنياته. ربما كانت مملة، أو سيئة ولكنني لم أهتم كثيراً باستبداله بشريط آخر. قلتُ في نفسي: "ترى هل أخشى من التغيير؟" الشوارع مزدحمة كالعادة، والرطوبة خانقة أيضاً كالعادة، وكل شيء طبيعي؛ فما عساه أن يكون مهماً في هذا اليوم الذي يُشبه سابقه؟ لم أتذكر.

في المكتب، يجلس عامل السنترال في الواجهة، ألقيت عليه التحيّة الصباحية، ودخلت إلى الردهة، حيث يجلس موظفو التسويق، وألقيت عليهم التحيّة كذلك، وتوجهتُ فوراً إلى مكتبي الذي كان نظيفاً ومرتباً كعادته، ولم أجد أيّ مذكرة مُلصقة على الحائط أو على جهاز الكمبيوتر كما كنتُ أتوقع، كل شيء كان يبدو اعتيادياً، ولم أحسن تذكر ذلك الأمر المهم. قلتُ في نفسي: ربما أكتشف أهمية هذا اليوم لاحقاً، وتناسيتُ الأمر، وبدأت عملي بشكل طبيعي.

رن هاتفي المحمول، كان أحد الأقارب المزعجين، ورغم أنني لم أكن مشغولاً؛ إلا أنني لم أشأ أن أرد عليه، فتجاهلتُ اتصاله للمرة الأولى ثم للمرة الثانية والثالثة، وقررت الرد على مكالمته في المرة الرابعة حتى لا أظل مهجساً بهذا الأمر، وتوقعتُ أن يكون لاتصاله علاقة بالأمر الهام الذي أنتظره، ولكن لم يكن اتصاله مهماً، وبدأ في الحديث عن موضوعات سخيفة لا تستحق ذلك الإصرار، وبدا الأمر وكأنه كان يقتل وقت فراغه بالثرثرة؛ فاعتذرتُ منه في تهذيب وتحججتُ بانشغالي وأغلقت الخط.

رحتُ أتصفح بريدي الإلكتروني، لا شيء على الإطلاق، عشرات الرسائل الدعائية المزعجة لمواقع إباحية، وأخرى تخبرني أنني ربحت جائزة الفرز العشوائي والتي تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات الإسترلينية، ورسائل من مواقع تطلب تأكيد بيانات التسجيل، لا شيء مهم على الإطلاق. دخلت موقع الفيسبوك، أيضاً عشرات الرسائل من مجموعات لا أتذكر متى انضممتُ إليها، وطلبات إضافة إلى قائمة الأصدقاء وافقتُ عليها جميعاً دون أن أتأكد من الأسماء أو حتى من الأصدقاء المشتركين، وخمس رسائل لحضور مناسبات مختلفة، أشرت عليها جميعاً بـ(Maybe). قرأت بعض التعليقات التي كتبها الأصدقاء على جدرانهم: بعضها متشائم، وبعضها فلسفي، وبعضها هزلي ساخر، وبعضها مقتبسات من حكم وأمثال مشهورة، وبعضها أقل ما يقال عنها أنها سخيفة وساذجة. الساعة الآن الثانية وخمس عشرة دقيقة بعد الظهر، وكل شيء طبيعي للغاية، لا شيء مهم ولا شيء مثير.

قبل انتهاء ساعات العمل بقليل، تلقيتُ اتصالاً من أمي، وتذكرتُ أنني كنتُ مشتاقاً إليها، تكلمتُ معها قليلاً، وتوقعتُ أن أسمع منها أخبار عائلية مملة: زيجات، وافيات، مواليد جدد، أشخاص عادوا من السفر، وآخرون سوف يُسافرون، أشخاص مرضى، وآخرون تعافوا من المرض؛ إلا أنها قبّلت الهاتف من طرفها، وهي تقول لي: "كل عام وأنت بخير يا حبيبي!" فنظرتُ إلى التقويم المكتبي الذي أمامي وذهلتُ للأمر، إنه عيد ميلادي فعلاً، اليوم أكمل عامي السادس والثلاثين، فضحكتُ بصوتٍ عال، وتعجبت أمي لذلك، ولكنني لم أخبرها بشيء، شكرتها على اتصالها وأنهيت المكالمة بقبلة من طرفي. الغريب في الأمر أنني لم أتذكر بعد ما هو المهم في هذا اليوم؛ إذ لم أر أن عيد ميلادي قد يكون شيئاً مهماً.

هناك 4 تعليقات:

  1. الفاضل هشام ادم
    تظل الرتابة هى نفسها التى وصفتها بحزافيرها
    نفس الشعور بالنسبة للايام عدا يوم الجمعة الذى يعتبر يوما مميزا ليس كباقى الايام اذا استعد له منذ يوم الاربعاء اما يوم السبت فهو اليوم الطاعن فى السن والممل والطويل ...يظل نفس الشعور ونحن فى السيارة نفس الشريط ربما لمغنى سودانى مات فجاة ولكنه مغنى بارع نسمعه ولم نعد نلاحظ ان الشريط قد اصبح يطلق صريرا يدل على انه قد قدم او ربما هو يطلب منا اجازة سنوية طال انتظارها ..ونفس السؤال احيانا كثيرة هل ياترى نخشى التغيير ام ما عادا هناك شىء يستطيع ان يجعلنا نؤمن بوجود جديد ما او غبطة على غير المعتاد نستشعرها كالفوز بمسابقة كمسابقة الاحلام التى لم نشترك فيها ...المهم هل نخشى هذا التغيير هل نحن مكبلين لههذ الدرجة ...ونفس الشعور الذى حينما نعجز عن تزكر شىء مهم فاننا نظل نماطل الشعور الخفى فى ان كل شىء يحدث له دلالة معينة كتليفون يرن ونتحاشى الرد وكاننا نسكت نوعا من الحاسة السادسة يجعلنا نصدق مرة اخرى بانه ذلك الشىء المهم ...ونفس الشعور فى محبتنا لامهاتنا فيظلون لنا منبع نور شفاف يجمل الامنيات ويبدد اى رتابة مهما عظمت واستحكت حلقاتها ...
    انه لروعة السرد المباشر لا الغاو هنا لا مضامين ولكنه قمة المشاركة فى نقل شعور حقيقى ...
    تحياتى لك وودى

    ردحذف
  2. الأستاذة: لمى هلول
    تحياتي الوافرة

    حمداً على سلامتك .. لقد افتقدتك المدونة كثيرة، وطال غيابك، وأتمنى أن تكوني بخير وبصحة جيّدة. كيف هي بورسودان وكيف هم الأهل والأصدقاء هناك؟ هل كل شيء على ما يرام؟

    كالعادة تعجبني قراءتك التي تتعايش دائماً مع النص ومع تفاصيله الدقيقة، فلك مني كل الشكر على ذلك

    كوني بألف خير

    ردحذف
  3. اسمح لي ان اقف تقديرا" لاسلوب سردك الجميل
    حقيقة لقد عشت معك تفاصيل يومك الملئ بالاحداث كما تناولته بكلماتك التي تحكي قصص وقصص في يوم كل منا ..تناولك لليوم جميل وخصوصا" انه قد بدء بالاستيغاظ وانتهى بقبلة ودوده بدون مناسبة

    ردحذف
  4. الأخ: علاء
    أشكرك يا عزيزي على قراءة القصة، وسعيد غاية السعادة أنها نالت قسطاً من إعجابك

    تحياتي ومودتي التامة

    ردحذف