الاثنين، 29 مارس 2010

الانتخابات السودانية بين خلف الله ومحمد أحمد

أحتاج في هذا المقال إلى استصحاب معلومتين أساسيتين، باعتبارهما مدخلاً للموضوع، وأولى المعلومتين متعلقة بممارسة المواطن السوداني للانتخابات والذي يعود تاريخها قبل الانتخابات الحالية 2010م إلى عام 1986م أي قبل أربعة وعشرين عاماً وهي بعمر شاب يافع ربما يجلس الآن على [لستك] أو كرسي أمام منزله يلعن الحكومة على طريقته، يتفرّس في وجه العابرين، يتغزل في هذه ويُعلّق على تلك. والمعلومة الثانية فهي متعلقة بنسبة الأمية في السودان؛ ففي عام 2006م أصدر صندوق الأمم المتحدة للطفولة [UNICEF] تقريراً يوضح فيه نسبة الأميّة في السودان والتي بلغت 50% بين الإناث و31% بين الذكور، وهي نسبة عالية جداً تشعرنا بالخجل من أنفسنا لأننا سمحنا للأمية أن تتفشى لتصل هذه المعدلات، وبالتأكيد فإن قضية الأميّة مثلها مثل غيرها من القضايا الإنسانية مرتبطة بعوامل كثيرة جداً، ومناقشة هذه العوامل ستجعلنا نخرج عن مسارنا المُحدد لهذا المقال. ولكن يهمني قبل الدخول في صلب الموضوع أن أتطرق إلى التفريق بين طبقة [الأميين] وطبقة [البسطاء] فماذا نقصد بقولنا: [إنسان بسيط]؟ وهل ثمة من علاقة بين البساطة والجهل مثلاً أم هي مرتبطة بالفقر؟ أم أنها دوائر متداخلة يصعب التفريق بينها؟

الحقيقة أن المقصود بالبسيط فيما درج عليه العامة والخاصة ليس وصفاً للإنسان نفسه، بل ربما لطموحاته أو لاهتماماته، فقد يكون الشخص جامعياً وبسيطاً، وقد يكون الإنسان ميسور الحال وبسيطاً، فنعت البسيط هنا في الحقيقة ليس مرتبطاً بالإنسان مباشرة وإنما باهتماماته، فإذا كانت اهتمامات الإنسان بسيطة كان بسيطاً، وإذا كانت غير ذلك فهو ليس كذلك. ولكن هل العكس صحيح في هذه الحال؟ وفيما أزعم فإن [بسيط] ليس له مقابل ضدي على الإطلاق طالما أن الوصف لا يقتصر على طبقة بعينها كما تقدّم، وليس بإمكاننا القول بأن المواطن البسيط يقابله مواطن [غير بسيط] لأنه من الواضح أن البسيط هنا هو حالة استثنائية في المُجمل، وبذلك يكون وصف [مواطن] هو النقيض الأصيل لـ[مواطن بسيط]. وقد يذهب البعض إلى القول بأن المواطن البسيط يُقابله المواطن النافذ في الدولة أو صاحب السُلطة أو المنصب سواء السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو غير ذلك من أنواع السُلطة والمركز، وبذلك يكون المواطن الذي لا يمتلك أيّ نوع من السُلطة مواطناً بسيطاً. وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول معنى بسيط ومقابله فإننا نتفق في أن غالبية الشعب السوداني بسيط بطبيعة الحال دون أن تعني هذه البساطة إساءة مباشرة لهذه الطبقة.

ولندخل الآن إلى صلب الموضوع متسلحين بالمقدمة أعلاه لنتكلّم عن شخصية [خلف الله] التي تتناولها الدراما السودانية حالياً كواحدة من الوسائل التعليمية والتوعوية التي تتبعها المفوضية العليا للانتخابات السودانية لتثقيف المواطنين بأهمية الانتخابات من ناحية، وكيفية سير العمل الانتخابي من الناحية الأخرى، وتتناول بعض الاسكتشات الدرامية قضايا هي مثار تساؤلات العديد من المواطنين وهي في الحقيقة هامة جداً تتعلق ببعض ما قد يتعرض له المواطن أثناء العملية الانتخابية، كفقدان الإشعار أو البطاقة الانتخابية، وكيفية اقتراع ذوي الاحتياجات الخاصة، والخطوات الأساسية في عملية الاقتراع، وما تعنيه كل بطاقة انتخابية وما إلى ذلك من مسائل تهم المواطن ويجب تنبهه إليها في محاولة للحد من حجم التالف في الانتخابات، والذي قد ينجم عن جهل أو سوء دراية بواحدة أو أكثر من هذه القضايا الأساسية.

يُثير البعض تساؤلات وعلامات استفهام حول شخصية خلف الله المستخدمة في الدراما التوعوية من قبل المفوضية العليا للانتخابات، فيما يُقدم البعض انتقاداتهم للمفوضية لاختيار هذه الشخصية ظناً منهم بأن تناول الشخصية ينم عن سوء نيّة مقصودة الغرض منها التقليل من شأن المواطن ووصمه بالجهل والتخلف؛ فهل هذا الكلام صحيح؟ أقول: إن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، ولي أسبابي التي أوجزها فيما يلي:

• جهل المواطن بإجراءات الانتخابات المعقدة لا يعيبه في شيء.
• جهل المواطن بإجراءات الانتخابات مُبرر لطول الفترة الزمنية بين هذه الانتخابات وآخر انتخابات شهدتها البلاد.
• أمية عدد كبير من الناخبين هو حقيقة واقعة وليس تجني من أحد على أحد.
• أمية عدد كبير من الناخبين قد ترفع من حجم التالف إن لم تتم توعيتهم.
• التوعية يجب أن تكون [مُبسّطة] ببساطة الشرائح التي تستهدفها التوعية، وهذا التبسيط لا يعني الإساءة بأيّ حال من الأحوال.
• توصيل المعلومة الانتخابية في قالب كوميدي وسيلة ناجعة ومقنعة وشديدة التأثير.
• لا يُفترض استخدام أسلوب متعالي في مخاطبة شرائح جُلهم من الأميين والبسطاء.

ثمة شكوك حقيقية ومشروعة تدور حول موقع المفوضية العليا للانتخابات من العملية الانتخابية، وربما ضلوعها أو تواطؤها مع الحكومة الحالية، ويظهر ذلك في العديد من الأمثلة والنماذج أو حتى على مستوى تصريحات بعض القياديين في المفوضية، الأمر الذي يجعلنا نضعها محل مُساءلة أو في الحد الأقصى نزع صفة الحيادية منها، رغم وجود العنصر الأجنبي والخارجي في هذا الأمر، ولكنني على جانب آخر فإنني أرى أن الدور الإعلامي والتدريبي الذي تلعبه المفوضية حتى الآن هو دور مُقدر للغاية، فهنالك برامج كثيرة تتناول الانتخابات والإجراءات الانتخابية بجدية تظهر في البرامج التي تشرح العملية الانتخابية وخطواتها باللهجات المحلية وكذلك بلغة الصم والبكم، هذا إضافة إلى الحضور الإعلامي المكثف للانتخابات في الوسائل المرئية والمسموعة الأمر الذي يشي بجدية معقولة ومطلوبة في تنوير المواطنين بأهمية الانتخابات وضرورة التقيّد بالخطوات المنصوص عليها من قبل المفوضية لضمان إجراء عملية الاقتراع بنجاح.

إن ما يذهب إليه البعض من الاعتقاد بأن شخصية خلف الله هي محاولة لإزاحة شخصية [محمد أحمد] التقليدية في الانتخابات السودانية السابقة هو اعتقاد متطرّف إلى الحد البعيد، وليس له أيّ مبرر فيما أرى، ولا يقوم إلا على التكهنات التي لا تغني عن الحقيقة شيئاً، بل وليس هنالك مُبرر أصلاً لجعل [محمد أحمد] شخصية تقليدية! وإنني أدعو الجميع إلى عدم الميل بالتفسيرات إلى هذا الحد المُجحف والذي يتجاوز المفوضية ويتعادها ليُلقي بالاتهامات العشوائية على الكوادر التي قامت بتمثيل هذه الأدوار الدرامية، وإننا نعلم أن منهم من له مواقف وطنية لا يُمكن التشكيك فيها لمجرّد الظن وإتباعه الأعمى، فعلينا توخي الحذر والمصداقية مع النفس أولاً، ودعونا من تتبع الشبهات ولنلتفت إلى ما هو أهم من كل ذلك، فلقد وقفنا على حالات تزوير وشواهد لعدم النزاهة، فهل من إجراءات قانونية أو قضائية تم اتخاذها في هذا الصدد حتى نقلل الإحساس بعدم الثقة تجاه هذه الانتخابات، أم أن الأحزاب لا تنوي الكشف عن هذه الأساليب إلا بعد إعلان النتائج لتقيمها كحجة ترفض بها شرعية المرشح المنتخب؟ أرجو أن يكون تكهني هذا غير صحيحاً.

هناك تعليق واحد: