السبت، 13 فبراير 2010

رسائل تفتح بمعرفتها فقط (17-18)

الرسالة السابعة عشر:
تحية عاطرة .. وبعد ،،،

الأمنيات الجميلة التي تمرّ مرّة في كل عام، وتحديداً في عيد رأس السنة، تبدأ كبيرة بحجم الآمال وحجم فرقعات الألعاب النارية وفرحة الأطفال، ثم تبدأ – كلوح الثلج – بالذوبان يوماً بعد يوم خلال العام. لتختفي تماماً قبل رأس السنة الجديدة؛ لتعود دورة الأمنيات مرّة أخرى بالتجدد.

في كل عام يا حبيبتي تنسلخ جلودنا القديمة التي ضاقت بنا، وتنمو جلود أخرى لتضيق هي الأخرى مع نهاية العام. في كل عام يا حبيبتي .. يولد الأطفال، ويموت الأصدقاء. وفي نهاية كل عام لا نعود نتذكر فرحتنا بمن أتوا ولا حزننا على من رحلوا. ونحن بين الحزن وبين الأمل نموت كل يوم. تمتلئ صدورنا بالحزن كما بالأوكسجين.

هنا – على ظهر هذه الأرض يا حبيبتي - لا يعيش إلاّ السيئون، بينما تمرّ قوافل الراحلين محمّلة بروائح الطيّبين والبسطاء والرائعين آخذين معهم ما خبأته عيونهم اللامعة من بريقٍ يحمل سرّ خارطة الجزر السعيدة. جزر لا تراها إلاّ عيونهم .. يرونها رؤيا العين، بينما نلهث نحن وراء خارطةٍ خطأ. أو نتيه في الطريق إليها ولا نصل.

الموتى .. وأرواحهم التي تحوّم على رؤوس البيوت ليلاً .. والنسائم التي تحمل رائحة الموت وصورة الأسلاف التي يقطع نصفها العلوي شريط أسود قاتم، وصرخات أرواح النائمين، وصوت دعوات الأمهات اللائي لا ينمنَ، وحوقلات الرجال القابضين على أطراف الأسرّة الخاوية إلاّ من وسادتين! هذا كل ما نملك من تحويشة الزمن لزمنٍ آخر قادمٍ لا محالة. لا تفرحي يا حبيبتي إن طال عمري ، فهنا على هذه الأرض لا يعيش إلاّ السيئون كما قلت!

كلنا يخبأ في جيبه – من حيث لا يدري – كومة من الحزن والخوف وكأنهما مادة الحياة وسرّ هذه الأنفاس المتصاعدة والحمى التي لا تزول بصادق الدعوات! لا ترقيني إلاّ بغنوة هادئة ولمسة من يديكِ يا يسوعية المسح، ويا حبذا قبلة على حين غفلة. آآآآهٍ كم أشتاق أن أسمع صوتك الآن !!!

حزينة هذه الرسالة ، أليس كذلك؟ كذلك أنا.


الرسالة الثامنة عشر:
عندما يعتدل المزاج، تمر أمام عيني في إحداثية الرؤية الوهمية (سينما اللاوعي) بعض الصور المتحركة، لي ولك، ونحن نقف على شاطئ رملي عريض الاتساع، ليس فيه من الأصوات غير صوت صرخات الموج المنتحر على الشاطئ، وأصوات النوارس التي لا نراها، والسماء خالصة الزرقة وكأنها مرآة للبحر. شاطئ مليء بالأصداف وألعاب الأطفال الرملية، خالٍ من نفايات المصطافين، ومن خفر السواحل. نركض فيه حتى تنقطع أنفاسنا، فيمد أحدنا الآخر بأنفاسه عبر قبلة طويلة الأجل، قبلة تحمل نكهة البحر والرطوبة. بعينين مبتلتين بالرغبة والشوق.

في إحداثيات البحر ثمّة دلافين تتقافز من بعيد تنادي علينا، ثم تغطس مرةّ أخرى وكأنها تخالسنا النظر ثم تعود لتخبر صديقاتها الأخريات .. قبيلة من الدلافين في إحداثية داكنة الزرقة من البحر. ونحن لا نكترث كثيراً بكل هذا الضجيج الجميل.

أفرش قميصي الكاروهات على الرمل لتجلسي عليه، وأتمدد واضعاً رأسي على حجرك .. ناظراً إليكِ من الأسفل وأنت تداعبين شعري وتنظرين إليّ بنظرةٍ أكثر صفاءاً من وجه السماء الخالي من الغيوم (حب الشبّاب)!!

نلعب كالأطفال بالرمل، تصنعين تلّة صغيرة وتضعين على قمّتها بعض الأصداف، وأهدّ التلّة برفسة من قدمي، نتعلّم كيف نصنع من الرمل المبتل كريات صغيرة نتقاذف بها تماماً كما الأطفال عندما يفلتون من رقابة الكبار .. ثم ننزل إلى الماء، بحر عذب غير مالح .. نغتسل فيه من الرمل العالق في أيدينا وفي الأجزاء الداخلية من ملابسنا، ونتراشق بالماء .. أحملك بين ذراعي .. أفهم كيف أن الماء قد أبان لي استدارة نهدك كاملاً من وراء قميصك التي شيرت الأسود.

هذا البحر على امتداده لا يخيف .. وبقعة الدلافين كالسراب تبتعد كلّما اقتربنا منها، كأنها تستدرجنا إليها .. والنوارس التي ترافقنا في مشوارنا المتثاقل .. كأنها - بأصواتها المتعالية - (طقطاقات) في زفّة مائية؛ عندها حبيبتي .. أجدني مبتسماً .. وأشعر ببرودة جميلة تدخل من بين أظافري كما يفعل الشيطان .. أيتها الفتاة التي لا تعرف غير الصفاء وتتقن الحنين .. أيتها التي تجعلني أشعر بأنني طفلها وماردها .. وتشعرني بأن بوصلة هذه الدنيا لا تتجه إلاّ غرباً حيث تكون. أيتها التي تخرجني من ملّة الاتجاهات لؤمن بوحدانية الاتجاه الذي هي فيه .. أن أسكن بين عينيها تاركاً هذا العالم يضيق كما يشاء ليتسع في عينيها بقدر ما أشتهي ... أيتها الفتاة التي تعني أمي وصديقتي وأختي وحبيبتي وابنة الجيران وكل النساء في دنياي .. عندما تختزل النساء في واحدة!

أحبك وأحب طعم قبلتك اللذيذة .. عندما تغمضين عينيك تاركة بين شفتك العليا والسفلى ما يكفي لكي أدخل من مجرى الهواء وأسكن كل الزوايا زاوية زاوية .. أتمدد كالماء المسكوب فأكون في كل خلاياكِ في وقتٍ واحد .. أتعلّم أن أكون داخلكِ هواءً تملئين به صدرك ولا أخرج .. أو دماءً تزور الخلايا كل ساعة ولا أتخثر .. كم أتمنى يا حبيبتي أن أفتح كتاب تاريخك وأمزق بأسناني كل صفحة تحمل بقعة حبر غير مرغوب فيها .. كم أتمنى أن أكون لكِ كل شيء ، كما أنّك لي كل شيء.

وإلى أن تتحقق الأمنيات أو حتى نتوقف عن التمني .. أتمنى أن تكوني بخير دائماً وبلّغي تحياتي الخالصة لأسرتك الكريمة ولأختك الصغرى والبقية.

وصية:
ألوي لي أرنبة أذن أختك الشقية .. وقولي لها : هشام يشتاق كثيراً لمناغشاتك ومشاغباتك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق