قصة قصيرة
قالت أمي: “الجدران لها آذان صاغية، والناس يقفون دائماً وراء الجدران ليلتقطوا أيّة كلمة.” كنتُ في العاشرة من العمر، وأمي لم تدرس البلاغة من قبل؛ لذا فإنني وحتى التاسعة عشر كنت أخاف من الجدران، وبرودتها. كنت أشعر بألف عين تتجسس عليّ من بين ثقوبها غير المرئية، وألف أذن تتصنّت على ما أقول. قلت: “ربما كانت الحياة أجمل، والأسرار أكثر كتماناً بلا جدران!” عندما تزوّجت أختي الكبرى، أرادت أن تتعلّم رقصة السلو، لترقصها مع زوجها في حفل الزفاف، وسمعتُ أمي توبخها وهي تقول: “عيب! ماذا سيقول الناس عنّا؟” عندها التفتُ من حولي لألمح أحدهم واقفاً وهو يتصنّت، ولكن لم يكن هنالك أحد. قلت: “أمي لا تكذب أبداً” وخيّل إليّ أنني رأيت الجدران تخرج لي ألسنتها في سخريّة، فازداد خوفي منها .
بعد عام واحد، جاءت أختي إلى البيت وهي تحمل حقيبتها الثقيلة، وسمعتها تقول لأمي: “لا أريد الاستمرار مع هذا الرجل.” فالتفت إلى الجدران، وشاهدت أعينها المتوثبة، وآذانها المتصنّتة، وسمعت أمي تقول: “عيب! ماذا سيقول الناس عنا؟” شعرت عندها بالكراهية لأختي التي لا تكف عن رغباتها المجنونة في فضحنا على الدوام، ولا تراعي أن للجدران آذاناً وأعين. قلتُ: “لا بأس؛ فالنساء ناقصات عقل!” وأحسستُ أنني أكثر الأبناء انتباهاً، وأكثرهم يقظة.
ظل رماد “كلام الناس” يكبر داخلنا أنا وأختي رغم أنها لم تكن في انتباهي ويقظتي، ولكنها كانت تخشى كلام الناس الواقفين وراء الجدران على الدوام، وحنثت بقسمها الغليظ وعادت مرّة أخرى إلى بيت زوجها. قالت: “ذلك أفضل بكثير من سياط كلام الناس الذي سوف ينزل بالتأكيد على ظهر أمي.” لكنني لم أسأل نفسي هل كنّا نخشى كلام الناس على أنفسنا أم على ظهر أمي؟!
عندما كبرت، تعرّفت على إنسانة جميلة ورقيقة، مطلّقة ولها طفلان رائعان كفلقة زهرة البابونج أوان الربيع، ولكن أكثر ما شدّني إليها، أنها لم تكن تخشى كلام الناس. قلت لنفسي: إنها ربما لم تسمع بتلك الأعين المتلصصة، والآذان المتصنّتة، ولكنها كانت قد سمعت بـ”كلام الناس” وقالت: “الناس يخافون من كلام الناس!” لم أشأ –عندها- أن أسمع المزيد من هذه الهرطقة، وتذكّرت ظهر أمي العزيزة، لاسيما وأنها لم تعد في سن يسمح لها بتحمّل أيّ سوط.
عندما صارحت أمي برغبتي في الزواج، أكدّت لي أنها لا تجد فيها ما يعيب، غير أنها كانت تخشى “كلام الناس” عندها فقط شعرت بالكراهية لهؤلاء الناس، ولتلك الأعين التي لم أرها يوماً، ولتلك الآذان التي لم تزل ملتصقة بجدران منزلنا الباردة. قالت لي أختي: “نحن نبتة مثمرة يزرعها آباؤنا، ويحصدها الناس!” ولم أفهم ما ترمي إليه، غير أني خالفتها الرأي. قلتُ: “نحن الناس!” ورغم كل ذلك فإنني لم أتزوّجها ليس خوفاً من كلام الناس، ولكن رفقاً بظهر أمي.
قالت أمي: “الجدران لها آذان صاغية، والناس يقفون دائماً وراء الجدران ليلتقطوا أيّة كلمة.” كنتُ في العاشرة من العمر، وأمي لم تدرس البلاغة من قبل؛ لذا فإنني وحتى التاسعة عشر كنت أخاف من الجدران، وبرودتها. كنت أشعر بألف عين تتجسس عليّ من بين ثقوبها غير المرئية، وألف أذن تتصنّت على ما أقول. قلت: “ربما كانت الحياة أجمل، والأسرار أكثر كتماناً بلا جدران!” عندما تزوّجت أختي الكبرى، أرادت أن تتعلّم رقصة السلو، لترقصها مع زوجها في حفل الزفاف، وسمعتُ أمي توبخها وهي تقول: “عيب! ماذا سيقول الناس عنّا؟” عندها التفتُ من حولي لألمح أحدهم واقفاً وهو يتصنّت، ولكن لم يكن هنالك أحد. قلت: “أمي لا تكذب أبداً” وخيّل إليّ أنني رأيت الجدران تخرج لي ألسنتها في سخريّة، فازداد خوفي منها .
بعد عام واحد، جاءت أختي إلى البيت وهي تحمل حقيبتها الثقيلة، وسمعتها تقول لأمي: “لا أريد الاستمرار مع هذا الرجل.” فالتفت إلى الجدران، وشاهدت أعينها المتوثبة، وآذانها المتصنّتة، وسمعت أمي تقول: “عيب! ماذا سيقول الناس عنا؟” شعرت عندها بالكراهية لأختي التي لا تكف عن رغباتها المجنونة في فضحنا على الدوام، ولا تراعي أن للجدران آذاناً وأعين. قلتُ: “لا بأس؛ فالنساء ناقصات عقل!” وأحسستُ أنني أكثر الأبناء انتباهاً، وأكثرهم يقظة.
ظل رماد “كلام الناس” يكبر داخلنا أنا وأختي رغم أنها لم تكن في انتباهي ويقظتي، ولكنها كانت تخشى كلام الناس الواقفين وراء الجدران على الدوام، وحنثت بقسمها الغليظ وعادت مرّة أخرى إلى بيت زوجها. قالت: “ذلك أفضل بكثير من سياط كلام الناس الذي سوف ينزل بالتأكيد على ظهر أمي.” لكنني لم أسأل نفسي هل كنّا نخشى كلام الناس على أنفسنا أم على ظهر أمي؟!
عندما كبرت، تعرّفت على إنسانة جميلة ورقيقة، مطلّقة ولها طفلان رائعان كفلقة زهرة البابونج أوان الربيع، ولكن أكثر ما شدّني إليها، أنها لم تكن تخشى كلام الناس. قلت لنفسي: إنها ربما لم تسمع بتلك الأعين المتلصصة، والآذان المتصنّتة، ولكنها كانت قد سمعت بـ”كلام الناس” وقالت: “الناس يخافون من كلام الناس!” لم أشأ –عندها- أن أسمع المزيد من هذه الهرطقة، وتذكّرت ظهر أمي العزيزة، لاسيما وأنها لم تعد في سن يسمح لها بتحمّل أيّ سوط.
عندما صارحت أمي برغبتي في الزواج، أكدّت لي أنها لا تجد فيها ما يعيب، غير أنها كانت تخشى “كلام الناس” عندها فقط شعرت بالكراهية لهؤلاء الناس، ولتلك الأعين التي لم أرها يوماً، ولتلك الآذان التي لم تزل ملتصقة بجدران منزلنا الباردة. قالت لي أختي: “نحن نبتة مثمرة يزرعها آباؤنا، ويحصدها الناس!” ولم أفهم ما ترمي إليه، غير أني خالفتها الرأي. قلتُ: “نحن الناس!” ورغم كل ذلك فإنني لم أتزوّجها ليس خوفاً من كلام الناس، ولكن رفقاً بظهر أمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق