الثلاثاء، 7 أبريل 2015

قراءة في رواية "قونقليز"

غلافة الطبعة الأولى من رواية قونقليز


عشقي للون البنفسجي قادني مباشرة إلى رواية (قونقليز) في قسم عبد الكريم ميرغني بمعرض الكتاب ..
إسم قونقليز شدني أكثر.. وأثار في ذهني عدد من الإستفهامات حول كيفية وجود القونقليز في رواية.. وما الذي سيكتبه عن القونقليز بالضبط.. وما الشيء المميز في القونقليز حتى يصبح عنوان رواية، أما الإهداء الساخر جداً فورطني تماماً في تلك الرواية، فقد كتب هاشم آدم الإهداء لـ:
شخصان سيقتنيان هذا الكتاب، شخص شده العنوان وشخص شدته لوحة الغلاف

الرواية بإختصار:
على لسان البطل شرف الدين في ريف العيكورة النيلية يتحدث فيها عن مراسم عزاء والدته المتوفية حديثاً وفلسفته لذلك الحدث في ذلك المجتمع..

العنوان:
قونقليز هو إختصار لما يربط شرف الدين بذاكرته شبه المغيبة وهو (رائحة القونقليز) التي تربطه مباشرة بأمه المتوفية وحبيبته وقية وحقول القصب التي كان يرتادها هارباً من واقعه، ولم يبدُ لي العنوان يمت للرواية بصلة إلا عندما شارفت على النهاية.. لأنه كان دقيقاً جداً في استخدام كلمة قونقليز التي لم تتكرر أكثر من 4 مرات داخل الرواية.. حتى يحملنا على الإنتهاء من الرواية في تكنيك ذكي من الكاتب لجذب إنتباه القارئ.

صورة الغلاف:
هي الرواية ذاتها.. فالراوي يحكي لنا عن نفسه وما يدور داخل رأسه وأفكاره ونظرياته الفلسفية عن الناس والحياة والدين والفن والوحدة التي يعيش فيها ويراها منطقية.. والصورة مرسومة لشاب ينكمش على ذاته مخفياً ملامح وجهه، كأن الرواية هي دعوة لمحاولة تأويل التفاصيل المخفية لذلك الشاب..

تصميم الغلاف:
يتمزج اللون البنفسجي مع عدد من الألوان التي تنحدر من درجاتها الداكنة بطريقة موحشة مع لوحة الغلاف التي تتوسط أرضية بيضاء شاحبة.. في إشارة أعتقد أنها لعتمة النفس..

ملاحظات:
-جودة طباعة الكتاب جزء مهم من راحة القارئ واستمتاعه بالعمل الكتابي وهو ما وجدته في تلك الرواية والذي أدهشني فعلاً عدم وجود الأخطاء الإملائية والمطبعية وهو ما يندر حدوثه في الكتب السودانية..

-وصفت لجنة التحكيم روية قونقليز برائحة الموت.. وهو ما أجده لا منطقياً تماماً.. فارتباط القونقليز عند البطل برائحة الوجوه والأماكن التي يحبها (الأم \ الحبيبة \ حقول القصب).. وإن كانت الأم قد ماتت فالحبية على قيد الحياة لكنها غادرت بينما حقول القصب موجودة في مكانها ويرتادها..

شرف الدين الشاب الثلاثيني المتطرب والذي يتحدث هو عن وفاة والدته بمشاعر جافة يستغربها القارئ في البداية كما أنه يستنكر الحزن الذي يراه مصطنعاً في وجوه أخواته والمعزين وإهتمامهم اللا مبرر به..

تدور أحداث هذه الرواية في 4 أيام فقط وهو ما قد يعطي إنطباعاً بترهل الرواية وإفتقارها للأحدث المفصلية الداعمة.. لكن إرتكاز هاشم آدم على 3 أحداث رئيسية تناولها بتفصيل وتقسيم ممتاز بين فصول الرواية وهي جوهر الرواية والسبب الرئيسي في حالة عدم التوازن النفسي الذي حدث للبطل وهو ما ينكشف في آخر فصل..

-إستخدم الكاتب لغة عربية فصيحة حتى في الحوارات والتي آثر إختصارها إلى أبعد حد ومختزلاً بذلك كماً هائلاً من المصطلحات المحلية علماً بأن هذه الرواية تدور أحداثها في منطقة قروية تعج بالمصطلحات الدارجية..

كانت هذه الرواية مسرحاً جيداً للكاتب حتى ينقل فلسفته للواقع فهي تدور داخل ذهن شرف الدين.. عدا فصلها الأخير الذي نكتشف فيه أننا كنا نتبع رجلاً شبه مجنون آمنا بأفكاره وأقنعنا بما يراه ثم أكتشفنا أن كل ما كان يدور وهم.. حيث أخرجنا الكاتب من رأس ورؤية البطل إلى رؤية محايدة على لسان الكاتب نستطيع من خلالها تفهم وضع شرف الدين في المجتمع الموجود فيه وأن ما كان يحدث به نفسه هو مزج الواقع بالخيال..

-شخصية حسن البلولة كانت داعماً رئيسياً للبطل وقد صاغها الكاتب بحرفية تامة.. بالإضافة لشخصية وقية عبد الباسط التي تقافزت بين صفحات الرواية بتسلسل جميل..

-أزعجني رجوع شرف الدين مجدداً للتجاني الماحي في نهاية الرواية.. لأنني لم أعتقد لمرة واحدة أنه مجنون.. بل يحتاج لرعاية نفسية فقط.. فكل ما كان يتحدث به لنفسه ونقرأه نحن في الرواية أراه منطقياً إلى حد كبير وقد يكون نمط حياة العديد من الناس..

-تحدث بعض الدراسات النقدية عن الخطأ الفادح الذي إرتكبه الكاتب وهو الفجوة الزمنية والتناقض الجغرافي.. فزمانياً الفترة التي تحدث فيها روايتة لم يكن هنالك وجود للبارات التي يديرها جنوبيون وإنما قبل تلك الفترة بما يقارب 20 سنة.. أما مكانياً فقرية العيكورة مسرح الأحداث لا تشبه مطلقاً ما وصفه الكاتب في الرواية، كما تحدث العديد من النقاد عن أن الإعتداء الجنسي الذي تعرض له شرف الدين كان السبب المباشر الذي أدى به إلى عقدته النفسية.. وهذا ما لا أجده متوافقاً مع ما قرأت.


هناك 34 تعليقًا: